يعيث «داعش» فسادًا وتخريبًا في البلدات التي يسيطر عليها، ويسدد الأهالي فاتورة تردي الأوضاع الأمنية، إما بالنزوح أو البقاء مضطرين تحت سلطة التنظيم الإرهابي، ذلك ما رواه لجريدة «الوسط»، في عددها الحادي عشر، نازحون من بلدة بن جواد، لكن مدينة سرت تصدرت مشهد «الدراما السوداء»، فحالة الذعر في المدينة أضحت نمطًا تقليديًا، استسلم له الجميع.

شهود عيان من سرت قالوا لـ«الوسط»: «من بين الممارسات الداعشية في المدينة، تنفيذ حكم قطع يد مواطن سنغالي، يعمل بإحدى الصيدليات في المدينة»، واستندت حيثيات حُكم ما يسمى بـ«محكمة الدولة الإسلامية» إلى أن المحكوم عليه، سرق أموالاً من الصيدلية، وادعت المحكمة الداعشية أن السنغالي اعترف بجريمته؛ وفي محاولة لإظهار قوة التنظيم وإرهاب المواطنين، آثرت كوادر «داعش» تنفيذ الحكم على مرأى ومسمع من الجميع، عندما دعت الأهالي إلى متابعة قطع يد السنغالي.

وأضاف الشهود في اتصال مع «الوسط»، إن المسؤولين عن تنفيذ حكم الإعدام الذي يدور الحديث عنه، منهم عناصر من تونس وتشاد والسودان، انضمت للتنظيم منذ فترة ليست بالقليلة، وتمارس نشاطها الإرهابي في مختلف المدن الليبية.

سرقوا المصارف وباعوا البنزين المهرَّب ونقلوا أسلحتهم لـ«عمارة القذافي»

ورغم بشاعة المشهد، إلا أن الواقع في سرت تجاوز تلك الواقعة، ووصل إلى ما هو أعنف منها في مختلف النواحي، ولعل ذلك كان سببًا مباشرًا في ارتفاع نسبة نزوح الأهالي من المدينة، إذ يقول مواطنون نازحون من سرت تحدثوا إلى «الوسط»، إن المدينة افتقرت خلال الآونة الأخيرة إلى مقومات ومتطلبات الحياة اليومية، وكان من بينها استمرار غلق المصارف التجارية لأكثر من عام تقريبًا، بعد تعرضها لأعمال السلب والنهب.

ووفقًا لشهود العيان، استولت عناصر «داعش» خلال سرقة أحد المصارف على 83 مليون دينار ليبي، ورغم أن تلك العملية كانت الأكبر من نوعها، إلا أنه سبقتها عمليات سطو أخرى، تراوحت المبالغ المسروقة فيها ما بين 3 إلى10 ملايين دينار ليبي. وأكدوا أن عمليات السطو على المصارف تتم بمعرفة بعض العاملين فيها، ولاسيما أنهم يتفادون ويتحسبون من ردود أفعال التنظيم الإرهابي إذا تصدوا له، إذ قال مصدر في مصرف ليبيا المركزي إن المبلغ الذى تحصلوا عليه يبلغ نحو 200 ألف دينار ليبي، فضلًا عن كشوف بحسابات عدد من المواطنين، خصوصا أولئك العاملين في الشرطة والجيش.

إلى جانب ذلك، أوضحت المصادر لـ«الوسط» أن شبكات الاتصالات، والانترنت، فضلًا عن شبكتي الهواتف المحمولة «المدار»، و«لبييانا»، مازالت في شلل تام منذ يوم 25 أغسطس عام 2015، إضافة إلى عجز المرافق الصحية في توفير المواد الطبية، والأدوية، ونقص حاد في عدد الأطباء، وطواقم التمريض، لاسيما بعد فرار أعداد غفيرة منهم خارج سرت؛ كما تعانى المدينة أيضًا ارتفاع أسعار كافة السلع، والمواد الغذائية، ورغيف الخبز.

طالبوا الأهالي بالبقاء في المدينة واختفوا في مخابئ سرية

واستولت عناصر «داعش» إلى جانب ذلك على محطات البنزين في المدينة، واستولت على البنزين المهرب من «أبوقرين»، «وبني وليد» ووضعت تسعيرة موحدة له في المحطات.

رغم تلك المعطيات، إلا أن عناصر«داعش» سرت خرجوا عن سباتهم، حين حلقت مقاتلات في سماء المدينة مرات عدة خلال الأسبوع الجاري، إذ بث التنظيم نداءً للأهالي عبر راديو سرت، طالبهم فيه بعدم الخروج من المدينة؛ كما تضمن النداء توجيهًا للسكان بأن عناصر التنظيم لا يخشون ما وصفوه بـ«طائرات العدو الصليبي»، وفق مصدر تابع للجيش الليبي.

وقال المصدر لـ«الوسط»: «إن عناصر التنظيم يشعرون بالخوف عند سماعهم صوت الطائرات المحلقة في سماء المدينة، كما يتوقعون قصفًا جويًا على مواقعهم، حيث لوحظ تخبط واضح في صفوفهم، فيما اختبأ معظمهم بالمنازل، وانتقل البعض الآخر إلى ضواحي المدينة».

وقال ضابط أمن من سرت، رفض الكشف عن هويته، إن عناصر «داعش» قامت منذ ليل الاثنين الماضي بتخزين أسلحة وذخائر السلاح الثقيل في مستودعات فندق المؤتمرات بسرت، مضيفًا: «إن عناصر التنظيم يقومون منذ يومين بتخزين أسلحتهم وعتادهم بمخازن الفندق الخلفية، إذ لوحظت سيارات النقل التابعة للتنظيم وهى تنقل السلاح من أماكنها إلى العمارة الفندقية المخصصة لرأس النظام السابق معمر القذافي.

المدينة افتقرت خلال الآونة الأخيرة إلى مقومات ومتطلبات الحياة اليومية

يأتي ذلك في وقت قال فيه مصدر في سرت، إن عناصر التنظيم ألقت القبض قبل أيام على أحد المنتمين إلى الجماعة السلفية بسرت، يدعى عبد السلام عريف، واقتادوه إلى سجن التنظيم.

من جانبها أشارت مصادر من داخل المدينة إلى أنه نتيجة لتلك المتغيرات، وصل عدد النازحين من سرت إلى 20 ألف نازح، يتواجد منهم قرابة 8 آلاف في المنطقة الغربية، وفقًا لبيانات لجنة الأزمة بالحكومة.

للاطلاع على العدد الحادي عشر من صحيفة «الوسط» اضغط هنا (ملف بصيغة pdf)