Atwasat

تقرير: طرابلس مدينة معطلة و«الطوابير» أبرز معالمها

طرابلس- بوابة الوسط - علي مجاهد الجمعة 29 أغسطس 2014, 09:41 مساء
WTV_Frequency

عندما طرح الكاتب المصري الدكتور مصطفى محمود سؤالا عميقا في كتابه (حكايات مسافر) في ستينيات القرن الماضي : "ماذا تخبئ لك الأيام يا طرابلس .. يا أعز من أحببت ذات شتاء في عام 1967 "، لم يكن يخطر بباله إطلاقا أن تنزلق هذه المدينة المتوسطية الضاربة في أعماق التاريخ إلى الحالة التي تعيشها هذه الأيام في العقد الثاني من القرن الأول من الألفية الثالثة، فهي مدينة أشباح بكل ما تعنيه الكلمة من معاني وصور: مطار مدمر ، وأكبر مستودعات للنفط والغاز مشتعلة ، ومدارس ومباني وأسواق وورش وبيوت وشقق سكنية مدمرة كليا أو جزئيا أو منهوبة، وجامعات خالية، وآلاف العائلات مشردة في الداخل والخارج، وشوارع شبه خالية، وقوائم طويلة من القتلى والجرحى، وتصفيات واعتقالات بالجملة على الهوية.

عاصمة الطوابير
وبالفعل، تستيقظ طرابلس اليوم بخطى مثقله بالآلام والأحزان والخوف من المجهول وتدب في شوارعها بعض الحياة بعد الساعة العاشرة صباحا حيث 90 في المائة من المؤسسات الحكومية، والشركات مغلقة بسبب عزوف الموظفين والعمال عن التوجه إلى أعمالهم بعد نزوح الكثيرين منهم إلى مناطق أكثر أمنا فرارا من جحيم الإقتتال بين التشكيلات المسلحة، علاوة على أزمة الوقود الخانقة قبل أن تخلو شوارعها بالكامل ما بين الرابعة والسادسة مساء.

الطوابير أضحت من أبرز معالم العاصمة طرابلس، إذ يتكرر كل يوم مشهد الناس وهم يقفون في طوابير طويلة أمام المصارف التي تعاني نقصا حادا في السيولة نتيجة الانفلات الأمني، وطوابير بالكيلومترات أمام محطات توزيع الوقود، وطوابير أخرى أمام المخابز وشكوى مستمرة من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، فضلا عن ندرة المياه في قيظ أغسطس، وتذبذب خدمات الهاتف المحمول والأنترنت.

نزوح بلاعدوة
يوسف شادي (35 عاما - أب لطفلين ويتبع قوة الشرطة)، يقيم في منطقة السراج التي نزح عنها قبل أربعة أسابيع بعد احتدام المواجهات وعاد قبل يومين ليجد بيته منهوبا، يقول لـ«بوابة الوسط»، إنه انقطع عن العمل منذ 45 يوما ولا يستطيع العودة في الوقت الحالي إلى وحدته المتمركزة في مدينة الكفرة لأنه لا يأمن على أسرته في غياب الأمن، بحسب قوله.

ولاحظ مراسل لـ«بوابة الوسط»، قام أمس الخميس، بجولة في شوارع العاصمة أن معظم المحلات التجارية لا تزال مغلقة، إما لنزوح أصحابها أو خوفا من عمليات سطو مسلحة كما يردد بعض التجار، فيما بدأت أرفف أسواق المواد الغذائية خالية من عدد من الأصناف، ناهيك عن ارتفاع الأسعار.

وأغلقت معظم محلات بيع الخضار والفواكه في سوق الثلاثاء (غرب طرابلس) أبوابها بعد رحيل العمال الأجانب في قطاع الزراعة وتوقف عمليات استيراد الخضروات والفواكه من الخارج.

أما سوق الخضار الرئيسي المعروف بسوق الأحد (جنوب العاصمة)، حيث دارت أعنف الاشتباكات في معارك السيطرة على المطار فقد أصبح أثرا بعد عين بعد أن هجره كافة تجار الجملة.

مكاتب خالية
وبدت الحياة شبه متوقفة في حي الأعمال بقلب العاصمة إذ كانت معظم المكاتب مغلقة في الأبراج الخمسة التابعة لجمعية الدعوة الإسلامية، وفي برج طرابلس الذي كان مقرا لعدد كبير من الشركات الأجنبية وشركات الطيران وبعض البعثات الدبلوماسية ،التي رحلت جميعها جراء الأحداث الأخيرة.

الكاتب الصحفي محمد ابراهيم يقول إن طرابلس التي كانت تنبض بالحياة أضحت مدينة أشباح، لا همّ لمن بقي فيها من السكان سوى البحث عن حاجيات بيته وأسرته والركض وراء المصارف والوقوف ساعات طويلة أمام محطات الوقود ومراكز توزيع غاز الطهي أو الاضطرار للجوء إلى السوق السوداء لمن لديهم القدرة على ذلك.

ويضيف ابراهيم أنّه يكاد يجزم أن طرابلس هي العاصمة الوحيدة في العالم اليوم التي لا تجد فيها صحيفة واحدة لتقرأها، أما الحديث عن الذهاب لمشاهدة مسرحية أو حضور أمسية شعرية أو فنية أو أدبية فذلك أضحى، بحسب قوله ،ترفا وكأننا في كوكب مهجور.

الهدم والبناء
إلى ذلك يلاحَظ تعطل حركة البناء بالكامل، حيث خَلت كافة المشاريع العامة والخاصة من أي نشاط بسبب فرار العمالة الأجنبية، ناهيك عن تدمير عدد من محلات ومعارض مواد البناء أو نهبها خلال المواجهات المسلحة.

وأسفرت المواجهات العنيفة بين الجماعات المسلحة، وهي الأشرس منذ سقوط نظام القذافي عام 2011، عن سقوط مئات بين قتيل وجريح، وانهيار المصالح الرسمية، ونزوح آلاف المدنيين عن بيوتهم إلى مناطق آمنة، إلى جانب تدمير وحرق مطار طرابلس الدولي ومؤسسات عامة منها أكبر مستودعات للنفط والغاز في البلاد والمباني والبيوت والشقق السكنية والمحلات التجارية والورش والمصانع ونهبها.

يستعرض مصطفى محمود في كتابه "التاريخ الحافل لطرابلس" وينتقل بالقارئ بصورة الضوء في أعماق هذا التاريخ ليرصد جحافل الغزاة فيقول: ثم يأتي الغزاة كأرجال الجراد، ويرتفع صليل السلاح ويتخضب ذلك الشاطئ الهادئ بالدم ... وتمضي مواكب خلف مواكب ... الإغريق، الفينيقيون، العرب، الإسبان، الأتراك، الطليان، الإنجليز ... وأسماء مدوية، الاسكندر، بطليموس ، عمرو بن العاص، وجيوش بعد جيوش تصبح ترابا، وأطماع تذروها الرياح .... غير أنه لم يخطر بباله عند طرحه ذلك السؤال، بحسب معظم من استطلعت "بوابة الوسط" آراءهم، أن الليبيين سيدمرون يوما ما عاصمتهم الجميلة طرابلس بأيديهم فيما يصفه الكثيرون بأنه صراع محموم على السلطة والمال.

تقرير: طرابلس مدينة معطلة و«الطوابير» أبرز معالمها

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
الدبيبة يتلقى رسالة شفهية من النيجر
الدبيبة يتلقى رسالة شفهية من النيجر
اتفاق من 6 بنود في ختام قمة تونس بين المنفي وسعيد وتبون
اتفاق من 6 بنود في ختام قمة تونس بين المنفي وسعيد وتبون
شاهد.. مقابلة مدير شركة الخدمات العامة مع برنامج «فلوسنا»
شاهد.. مقابلة مدير شركة الخدمات العامة مع برنامج «فلوسنا»
وفد ليبي في ماليزيا للاحتفال بمرور 50 عامًا على العلاقات بين البلدين
وفد ليبي في ماليزيا للاحتفال بمرور 50 عامًا على العلاقات بين ...
ضبط شخصين يجلبان المخدرات من مالطا وتركيا
ضبط شخصين يجلبان المخدرات من مالطا وتركيا
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم