امتد جحيم الاشتباكات بين التشكيلات المسلحة، المتقاتلة منذ أكثر من أسبوع، من مطار طرابلس الدولي اليوم الأربعاء إلى قلب العاصمة؛ حيث أفاد شهود عيان بسقوط قذائف صاروخية وشظايا على مناطق آهلة بالسكان في أحياء قرجي والمدينة الرياضية وقرية صالح والفلاح (غرب وجنوب غرب العاصمة) وهي أحياء مكتظة بالسكان وتبعد ما بين 2 و 3 كلم فقط عن وسط المدينة؛ مما تسبب في ترويع سكان هذه الأحياء واضطرار الكثير منهم لترك منازلهم بحثًا عن أماكن أكثر أمنًا لدى قريب أو صديق مقرب.

واستيقظ سكان العاصمة صباح اليوم بعد ليلة أخرى من الاشتباكات المتقطعة بمختلف الأسلحة الرشاشة والثقيلة على دوي انفجارات هائلة تردد صداها في مختلف أرجاء المدينة وضواحيها بسبب سقوط صاروخ "غراد" أصاب مباشرة أحد خزانات النفط بمستودع طريق المطار (جنوب طرابلس).

واستمرت الاشتباكات مشتعلة حتى ظهر اليوم ولم يتسن معرفة حجم الخسائر البشرية والمادية في غياب كامل لمؤسسات الدولة الرسمية، من جهة، ومن جهة أخرى، بسبب صعوبة التنقل بين مختلف أحياء العاصمة نتيجة للسواتر الرملية المقامة على الطرقات الرئيسية من قبل الميليشيات المتناحرة والنقص الحاد في الوقود بسبب غلق معظم محطات التوزيع مع بداية الاشتباكات قبل 10 أيام.

أعرب الكثير من الليبيين ممن استطلعت "بوابة الوسط" آراءهم عن خوف حقيقي من المجهول في قادم الأيام إذا ما استمر هذا الوضع وسط غياب تام لمؤسسة الدولة

خوف حقيقي
وأعرب الكثير من الليبيين ممن استطلعت "بوابة الوسط" آراءهم عن خوف حقيقي من المجهول في قادم الأيام إذا ما استمر هذا الوضع وسط غياب تام لمؤسسة الدولة وعجز أجهزتها عن تسيير دوريات أمنية في شوارع العاصمة أو إصدار بيان يدين بالاسم هذه التشكيلات وقياداتها المعروفة للجميع، فيما تساءل آخرون عن أسباب صمت المجتمع الدولي إزاء تهديد المدنيين الأبرياء في طرابلس وبنغازي وسائر المدن الليبية واقتصار ردة فعل "أصدقاء ليبيا" على بيانات محتشمة.

وقال الأستاذ الجامعي عمران أبو القاسم: "إن الوضع بات واضحًا للجميع فهذه (الميليشيات) تسعى لإرباك المشهد السياسي الليبي الهش أصلاً لمنع نقل السلطة لمجلس النواب حتى وإن كانت الوسيلة إحراق العاصمة طرابلس وتدمير بنغازي؛ حيث من المفترض أن تعقد الجلسة الأولى لمجلس النواب".

وأضاف قائلاً: "التشكيلات المحسوبة على الزنتان تسيطر على المطار منذ إطاحة نظام القذافي قبل ثلاث سنوات، فهل من تفسير آخر لتدمير المطار وإحراق الطائرات الرابضة فوق أرضه في هذا الوقت تحديدًا، ودك مختلف أحياء العاصمة بالصواريخ ومنع الوقود عن سكان العاصمة وقفل المصارف بسبب انعدام السيولة".

الصمت الدولي
وأدان مهندس الاتصالات إبراهيم المرغني صمت المجتمع الدولي أمام ما سماه الجرائم الواضحة بحق المدنيين الليبيين وترويعهم واستخدامهم دروعًا بشرية من قبل بعض قادة الميليشيات. وقال: "لقد تدخل المجتمع الدولي لحماية المدنيين من كتائب القذافي العام 2011 بعد أن أصدر حكمه على النوايا في حين نراه اليوم يلتزم صمت القبور والصواريخ تسقط على رؤوس المواطنين في بيوتهم وتقتل أبناءهم وترعبهم".

وطالب المرغني المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن بتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية في هذا المنعطف الخطير الذي تمر به ليبيا وشعبها.

معاناة بن غشير
وكان سكان منطقة قصر بن غشير المتاخمة لمطار طرابلس الدولي والذين أخذوا رهائن بين نيران القوات المحسوبة على الزنتان المتمركزة في المطار من جهة وبعض القوات المحسوبة على مدينة مصراتة وأخرى على قوى الإسلام السياسي من جهة أخرى، طالبوا في بيان نقلته وسائل الإعلام المحلية بتدخل قوات دولية لوقف تقتيل أبنائهم وتدمير منازلهم.

وأكد شهود عيان اتصلت بهم "بوابة الوسط" عبر الهاتف أن منطقة قصر بن غشير باتت مدينة أشباح بعد أن اضطر معظم سكانها لترك منازلهم ومزارعهم تحت وطأة القصف الصاروخي، في حين أكد آخرون أن مخازن الأدوية في منطقة وادي الربيع (شرق طرابلس) حيث تتمركزالقوات المحسوبة على الإسلام السياسي تحولت إلى رماد بعد إصابتها بصواريخ "غراد".

لاحظ متابعون للشأن الليبي أن ليبيين كثيرين لم يعودوا يخفون رغبتهم في تدخل دولي لوقف حمام الدم الذي سببه المتقاتلون

ضرورة وقف القتال
ولاحظ متابعون للشأن الليبي أن ليبيين كثيرين لم يعودوا يخفون رغبتهم في تدخل دولي لوقف حمام الدم الذي سببه المتقاتلون وذلك من خلال ضرب الترسانة الحربية الهائلة التي استولت عليها ميليشيات قبلية ومناطقية وأخرى مؤدلجة وعصابات إجرامية في ليبيا غنمتها من مخازن النظام السابق علاوة عن أسلحة لازالت تصل حتى اليوم إلى بعض الجماعات المسلحة من الخارج رغم سريان الحظر الدولي.

ويرى هؤلاء أن التدخل الدولي هو وحده الكفيل بوقف هذه الحرب التي يصفونها بالهمجية قبل انزلاق البلاد إلى حرب أهلية لا يمكن التكهن بنتائجها وانعكاساتها على المنطقة؛ خاصة إذا ما أحذنا في الاعتبار أن هذه الميليشيات المسلحة تسليحًا جيدًا مدفوعة بنعرات قبلية وأيديولوجيات متطرفة لن تقبل التراجع الآن من منطق "الخسارة والربح".

يذكر أن ما بات يعرف بمعركة السيطرة على المطار اشتعلت يوم الأحد 13 يوليو الجاري بين ثوار الزنتان الذين يسيطرون عليه منذ سقوط النظام السابق العام 2011 وتشكيلات من ثوار مصراتة متحالفين مع غرفة ثوار ليبيا المحسوبة على الإسلاميين بحجة وضع حد لهيمنة ثوار الزنتان على هذه المؤسسة الحيوية، غير أن مراقبين مستقلين يرون أن تفجير هذه المعركة في هذا الوقت تحديدًا يهدف لإرباك المشهد السياسي والأمني في ليبيا لمنع انتقال السلطة لمجلس النواب المنتخب حديثًا.

وأسفرت المواجهات بمختلف الأسلحة الثقيلة حتى الآن عن سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح وأضرار مادية بالمطار ومنشآت مدنية أخرى منها مستودع خزنات النفط ومخازن الأدوية علاوة على إحراق 20 طائرة من الأسطول الليبي المجدد حديثًا، قدرت بحوالي ملياري دولار بحسب الخبراء.