لم تخرج نتائج جلسات الحوار في تونس، التي اُختتمت أمس الأربعاء، عن توقعات المتابعين للشأن الليبي، بعدم المراهنة كثيراً على نتائجها في كسر الجمود السياسي في ليبيا، نظراً لغياب بعض الأطراف وتحول أغلب الجلسات إلى مساءلة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، كما أبدت بعض الأطراف استياءها من تصريحات لرئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مارتن كوبلر، اعتبرتها تجاوزاً لمهمته.

وكانت الجلسات مناسبة ليوضح فيها رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، الظروف الصعبة التي يواجهها المجلس، حيث اشتكى من تخلي الجميع عنه بعد وصوله إلى طرابلس، وطالب بتوفير الدعم والمشورة، حتى يتمكن من الوقوف على رجليه، وهو ما يفسر تشكيل لجنة لمؤازرة المجلس الرئاسي وتقديم المشورة له، بالإضافة إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف التي لم تتمكن من تنظيم حوار بينها، إلا بتدخل من الأمم المتحدة وسفراء الدول الكبرى وبعض وزراء دول الجوار، ولم تتمكن هذه الأطراف من الاتفاق في البيان الختامي بسبب مطالبة البعض بإدانة هجوم «سرايا الدفاع عن بنغازي» على بلدات شرق إجدابيا، ومطالبة أطراف أخرى بإدانة قصف الطيران المدنيين في درنة.

ودعا رئيس المجلس الرئاسي «كافة أبناء الوطن الذين إلى الآن لم يلتحقوا بنا، أن يضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ومستمرون في دعم مسار الوفاق والمصالحة مع الجميع، ولن يكون هناك أي إقصاء أو تهميش لأي فئة أو لأي مجموعة».

في حين قال عضو المجلس الرئاسي، فتحي المجبري، «إن من بين العراقيل التي يواجهها المجلس في أداء عمله، التحركات العسكرية التي تحدث خارج إطار الشرعية».

كما دعا المجتمعون مجلس النواب إلى الالتزام بالاتفاق السياسي، كما اتفقوا على توسيع قاعدة التوافق، ومد الجسور والتواصل مع كافة الأطراف دون إقصاء أو تهميش، في حين واصل ممثلو المجتمع الدولي دعمهم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق وللاتفاق السياسي، داعين أطراف الأزمة إلى إيجاد حلول لتوفير الأمن والخدمات الأساسية في جميع أنحاء البلاد.

ليس ببعيد عن قاعة اجتماعات لجنة الحوار، كانت فنادق تونسية شهدت حركة نشطة لشخصيات ليبية عديدة تتابع مجريات الحوار عن قرب، وتحاول أن تطرح رؤاها.

وفي السياق ذاته قالت مصادر متطابقة: «إن لقاءات تشاورية جرت بين تلك الشخصيات التي تمثل مختلف الاتجاهات، تمحورت حول البحث عن حل توافقي يرضي جميع فرقاء الأزمة في ليبيا». وأضافت المصادر، التي اتصلت بها «الوسط»، أن اللقاءات، التي ضمت داعمين لحكومة الوفاق ورافضين لها ونواباً وأعضاء في مجلس الدولة، ورؤساء أحزاب، توصلت إلى مقترح يتعلق بإعادة النظر في المجلس الرئاسي، بإبقاء رئيسه الحالي، فائز السراج، وإلغاء المجلس، ومنح فرصة عشرة أيام لتشكيل حكومة توافقية برئاسته.

وبررت المصادر المقترح بأنه جاء بعد ثبوت فشل المجلس في أداء مهامه طوال الفترة الماضية، نتيجة تبعية أعضاء المجلس إلى جهات وتوجهات معينة، مقابل حيادية شخصية رئيسه السراج، وتوافقه مع الجميع.

وعسكرياً تواصل قوات «البنيان المرصوص» تضييق الخناق على تنظيم «داعش» في سرت، بعد مرور أكثر شهر نجحت خلاله قوات الجيش، بعد جولات كر وفر، في إعادة السيطرة على بلدة المقرون (70غرب بنغازي) وفقاً لتصريحات الناطق باسم الجيش، العقيد أحمد المسماري، ما أدى إلى تقهقر «سرايا الدفاع عن بنغازي» إلى غرب المقرون، وشارك في الهجوم هذه المرة، إلى جانب كتائب الجيش والقوات المساندة له، قوات الصاعقة بقيادة العميد ونيس بوخمادة، وفي هذه الأثناء كشفت الحكومة الفرنسية لأول مرة مقتل ثلاثة من الجنود الفرنسيين، يتبعون «قوات خاصة تعمل في ليبيا لتأكيد وجود فرنسا في أي مكان في المعركة ضد الإرهابيين»، وفق تعبير الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية، ستيفان لوفول، ما جعل الحراك العسكري يغطي مرة أخرى على الحراك السياسي الذي عاد إلى المشهد الليبي مع اجتماع تونس.

الملفت أن هذا الحراك - الذي بدأ بحملة على المجلس الرئاسي، إلى حد الدعوات المعلنة وغير المعلنة إلى الإطاحة به وبرئيسه، متهمة الأخير بالضعف - خرج منه السراج نفسه قوياً خارج مطالب الإطاحة بالإجماع على حياديته، وباتخاذه قرارات مهمة لحل أزمتي الكهرباء ونقص السيولة النقدية، عبر قرار إعفاء إدارة الشركة العامة للكهرباء من مهامها، وقرار المجلس الرئاسي الذي يمنح به نفسه صلاحية تخصيص مبلغ مالي يقدر بمليار ونصف المليار دينار ليبي تكون بسلفة من مصرف ليبيا المركزي، لإنفاقها وفقًا للبنود الواردة بالجدول المعتمد المرفق بالقرار.

بين العمليات العسكرية في كل من بنغازي وسرت والحراك السياسي المتذبذب بين حين وآخر، يبقى السباق قائماً بين الحرب والسياسة نحو الحسم وبلورة ملامح المشهد الليبي القادم.