لا يرى عضو مجلس النواب، محمد الرعيض، بديلاً لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، ويحذر من أن حل الاتفاق السياسي وفشل الحكومة قد يحول ليبيا إلى غابة لمدة 20 سنة.

الرعيض، الذي قاطع مجلس النواب وعاود الانضمام إليه بعد الاتفاق السياسي، يشير بإصبع الاتهام إلى «أصحاب المصلحة الشخصية التي لن تتحقق في وجود نظام وحكومة واحدة ومؤسسات قوية». ويبدي اندهاشه في حوار خاص إلى «الوسط» من مقاطعة عضوي المجلس الرئاسي المقاطعين، عمر الأسود وعلي القطراني، ووصف البعض حكومة الوفاق بأنها «حكومة وصاية». لكن رغم هذه الانتقادات والتحفظات، يراهن النائب عن مصراتة على ضرورة الوفاق ويدعو زملاءه النواب المقاطعين إلى عقد جلسة منح الثقة، للخروج بالبلاد من أزمتها المستحكمة.. وهذا نص الحوار:

ما تقديرك للمشهد في اللحظة الحالية؟
- ليبيا دولة في مفترق طرق، فإما أن تباشر حكومة الوفاق الوطني مهامها وتقلل من حدة الأزمة، أو أن يتم حل الاتفاق السياسي وتفشل الحكومة وتتحول ليبيا إلى غابة لمدة 20 سنة، وهذا ما يتمناه كثير من أعداء ليبيا على رأسهم إسرائيل.

ليبيا دولة في مفترق طرق فإما أن تباشر حكومة الوفاق مهامها وتقلل من حدة الأزمة أو تفشل وتتحول البلاد إلى غابة لمدة 20 سنة

ومَن يدمرون سورية والعراق واليمن الآن، يريدون تدمير ليبيا، لذلك علينا أن نستيقظ ونحقن الدماء، فكل ليبي يموت هو ابن لهذا الوطن سواء في الشرق أو الغرب.

إننا أمام موقف خطير، واللوم على الليبيين، ولا ينبغي أن نعلق تقصيرنا على المجتمع الدولي، والإعلام يؤجج الصراع، فلا توجد مشاكل أو صراعات بين شرق وغرب ليبيا، خصوصاً أن هناك علاقات مصاهرة وتبادل زيارات بين شرق ليبيا وغربها، وهناك أعداد كبيرة من المسافرين من مطار معيتيقة إلى مطار الأبرق وطبرق، والمشكلة سياسية وتصب في مصالح شخصية من أجل السلطة والمال وليس لأي هدف آخر.

ننتقل إلى المشهد البرلماني.. ما توقعاتك حول فرص منح مجلس النواب الثقة لحكومة الوفاق الوطني؟

- حكومة الوفاق نالت الثقة مرتين بتوقيع أكثر من 100 نائب داخل قبة البرلمان، نظراً لأننا مُنعنا كنواب مؤيدين لحكومة الوفاق من الحضور والتصويت، والتصويت يتم اليوم في العالم حتى عبر الإنترنت، لقد حضرنا كنواب إلى الجلسة في 23 فبراير، التي كان البند الوحيد فيها هو منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني، وللأسف عندما اكتمل النصاب حدثت «دوشة»، واقتحم أشخاص لا صفة لهم الجلسة ودخلوا قاعة المجلس ومنعوا النواب من التصويت بصورة غير قانونية، لذلك اضطررنا - كنواب - إلى منح الثقة للحكومة بتوقيع من 101 نائب، وأصدرنا بياناً بذلك، وبعد شهرين تقريباً، حاولنا عقد جلسة أخرى لمنح الثقة للحكومة بطريقة التصويت، واتفق رئيس المجلس المستشار عقيلة صالح ونائبيه امحمد شعيب وأحميد حومة على عقد جلسة خلال 18 و19 أبريل ومنح الثقة وتعديل الإعلان الدستوري.

وانتظرنا في القاعة الجانبية وصول بقية أعضاء مجلس النواب بعد وصولنا إلى مكان انعقاد الجلسة، وكان هناك خلاف حول أولوية منح الثقة أولاً، أم تعديل الإعلان الدستوري أو التصويت عليهما في نفس الوقت، وعندما وصلنا للنصاب القانوني بحضور 160 نائباً، مَنع شخص يدعى «فرج أدم» النواب من الدخول بعكازه دون تدخل من الأمن الرئاسي أو رئيس المجلس، وفي كل جلسة يتجول «فرج أدم» بعكازه داخل القاعة حتى أصبح يلقب بـ«العضو غير المنتخب».

عدنا في اليوم التالي، الثلاثاء 19 أبريل، في محاولة لعقد الجلسة ولكن مُنعنا بنفس الطريقة، وأعلن نائبا الرئيس عقد الجلسة يوم الخميس، وفي اليوم المقرر وجدنا قاعة المجلس والقاعة الجانبية مغلقتين، فذهبنا إلى مقهى الفندق وجرى الاعتداء علينا جسدياً ولفظياً وزاد التهديد والوعيد، ومع ذلك صمدنا وقرر النواب إصدار بيان وقَّع عليه 102 نائب، ولم نستطع تلاوته من مقر مجلس النواب بعدما منعنا الغوغاء، دون أن يتحرك الأمن الرئاسي لحمايتنا أو يطردهم وضبطهم، مما اضطرنا إلى تلاوته من مقهى فندق.

مَن يقف وراء التأجيج؟
- أصحاب المصلحة الشخصية في الإبقاء على الوضع الحالي، ويرفضون الاتفاق السياسي، ولا يريدون حكومة واحدة، لأن مصالحهم لن تتحقق في وجود نظام وحكومة واحدة ومؤسسات قوية.لكن، كيف ترى اتهامات البعض لحكومة الوفاق بأنها «حكومة وصاية»؟

- دعني أقول لك ما معنى كلمة «وصاية»، نحن لانعرف هذا أبداً، فالاتفاق السياسي جرى بين أطراف ليبية من جميع الأطياف وبرعاية الأمم المتحدة، والمنظمة الدولة تؤدي واجبها وترعى جميع الاتفاقات في العالم، وهي مَن أعلنت استقلال ليبيا في العام 1951، وتدخلت في العام 2011 م للقضاء على نظام القذافي، وحتى بافتراض أن ما يقولونه عن هذه الحكومة صحيح.. فما البديل؟

أصحاب المصلحة الشخصية يقفون وراء الإبقاء على الوضع الحالي ويرفضون الاتفاق السياسي ولا يريدون حكومة واحدة

نحن لا ندافع عن هذه الحكومة، لكنها هي الحل، لا يوجد لديهم بديل، ومَن يرى غير ذلك يجب أن يعطيني بديلاً عملياً يمكن تطبيقه، وأعتقد أن غاية البعض هي نقض الاتفاق السياسي الذي وصلنا له بعد سنة وأكثر.

نعم هناك طلبات منطقية ونحن معها، وإذا جرى فتح الاتفاق وتعديله فإن مجلس الدولة سيطالب بأشياء أكبر هو الآخر، وآخرون لهم طلبات مختلفة وهذا يتطلب وقتاً أكثر وسننتظر سنة ونصف السنة، وسنعود إلى نقطة الصفر، ولا يمكن للشعب الليبي الانتظار أكثر من ذلك.

فالمواطن لا يتحمل هذا الوضع المأساوي، وأعداد النازحين كبيرة والظروف كلها لا تسمح بالتأجيل، وأتمنى منح الثقة لهذه الحكومة، خصوصاً أنه يحق لـ 40 نائباً تقديم طلب لسحب الثقة من أي وزير عليه مشكلة في جلسة رسمية، وإما أن يستبدل المجلس هذا العضو أو يسحب الثقة ويستبدله أو يثبته ويزكيه.

وأستغرب أيضاً من عضوي المجلس الرئاسي المقاطعين، عمر الأسود وعلي القطراني، ولماذا الخوف رغم أن لديهما حق الفيتو! أما فرض الرأي أو المقاطعة فهو أمر غير منطقي.

اختيار وزراء الحكومة وفق الاتفاق السياسي يكون في جولتين بالتوافق، ويختار المجلس الرئاسي تشكيلة الوزراء في الجولة الثالثة عند عدم التوافق.

هذه الحكومة تحظى تشكيلتها بدعم 7 من بين 9 أعضاء من المجلس الرئاسي، وأعتقد أنه يجب على الأسود وعلي القطراني تسجيل تحفظهما أو الانضمام إلى زملائهما في المجلس الرئاسي، أما احتكار الحق بالانسحاب أو الاستقالة، وإما الطعن في الأعضاء الآخرين فهو أمر لا يجوز.

ما دوافع بعض النواب لمطالبة السراج بالاستقالة رغم عدم منح المجلس الثقة للحكومة بعد؟

- أنا أستغرب، هذا غير منطقي، ويتماهى مع دعوة خليفة الغويل الذي طلب بمحاكمة السراج وسجنه، وهي طلبات جامحة تصدر من هنا وهناك، ولا فرق بين خليفة الغويل ومَن يدعي أنه يحب الوطن ويحارب الحكومة.

دعمنا لحكومة الوفاق الوطني ليس لأنها حكومة مثالية أو قوية، نحن مع حكومة الوفاق لأنها هي الحل الوحيد المتاح ولا يوجد حل آخر، والمجلس الرئاسي للحكومة كان يتكون من خمسة أعضاء ولكن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح هو مَن طلب توسيع المجلس الرئاسي وزيادة عدده إلى 9 أعضاء، وبعد تنفيذ طلبه ها هو الآن يطالب بالعودة إلى المسوَّدة الرابعة ويريد رئيساً ونائبين.

لقد نسي عقيلة أن مجلس النواب - بجميع أعضائه - قبل الاتفاق السياسي يوم 25 يناير الماضي، وكلف المجلس الرئاسي بتشكيل حكومة مصغرة، وقدم المجلس تشكيلته الوزارية، وإلى الآن لم يرد مجلس النواب ولم نتمكن من الحضور لمنح الثقة، بسبب مجموعة لا تريد ذلك متمثلة في رئيس المجلس عقيلة صالح وعدد من الأعضاء لا يزيدون على 10 نواب، وهؤلاء الـ10 نواب يمنعون 160 نائباً من ممارسة عملهم، في ضرب واضح للمسار الديمقراطي واحترام مؤسسات الدولة.

أليس غريبًا غياب التأثير من النواب المؤيدين رغم عددهم الكبير؟
- أغلب أهالي طبرق مع حكومة الوفاق، ولكن– للأسف– فإن عدم تنفيذ رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، اللوائح جعل مقر مجلس النواب تحت سيطرة مجموعة من 10 أشخاص، ولا يحمي النواب أحد، هذا هو الواقع للأسف.

إذن.. هل تشكك في أهلية رئيس مجلس النواب عقيلة صالح لشغل هذا المنصب؟

- بالتأكيد، فلا يمكن لأي رئيس برلمان أن يقبل بهذه الفوضى، ورغم وجود أمن رئاسي فإن عقيلة صالح لا يطبق اللوائح، ولا يوقف مَن يشوش في الجلسات، فالنواب من حقهم التعبير عن آرائهم ولكن وفق السلوك والأسلوب الديمقراطي.

لا يمكن لأي رئيس برلمان أن يقبل بهذه الفوضى ورغم وجود أمن رئاسي فإن عقيلة صالح لا يطبق اللوائح ولا يوقف من يشوش في الجلسات

المستشار عقيلة صالح يتصرف وكأن مجلس النواب ملك له، ومعارضته لحكومة الوفاق تأتي من خوفه أن تذهب منه صفة القائد الأعلى للجيش وتمثيل رئيس الدولة خارجيًّا.

وهنا سأذكر لك أن أغلب أعيان قبيلة العبيدات غير راضين عن تصرفات عقيلة، ولن تعود هيبة مجلس النواب إلا بتغيير رئاسة المجلس، والمادة 16 من الاتفاق السياسي تنص على أن يجتمع مجلس النواب بالأعضاء المؤيدين للاتفاق السياسي، وتسقط عضوية أي عضو غير موافق على الاتفاق، كما ينص الاتفاق على تحديث اللائحة الداخلية وإلغاء القرارات التي لا تتماشى مع الاتفاق السياسي.

ما تفسيرك لموقف القائد العام للجيش الليبي الفريق أول خليفة حفتر وتصريحه بأنه لن يكون جزءًا من حكومة الوفاق؟

- أرى ضرورة توحيد الجيش، وفي هذا الخصوص عقدت اجتماعات في تونس وبلدة الأصابعة بين الضباط الليبيين، وهم يد واحدة ولا يمكن أن نفرض أي شخص مرفوض.

هؤلاء الضباط يتواصلون مع العقيد المهدي البرغثي الوزير المفوض بوزارة الدفاع، ومستعدون للتواصل مع الفريق خليفة حفتر والتنسيق معه إذا أراد أن ينضوي تحت الشرعية، وقد منح الاتفاق السياسي للمجلس الرئاسي صفة القائد الأعلى للجيش، ونحن كنواب أقررنا بذلك.

وأرى أن البرغثي يتمتع بسمعة جيدة، ومَن يعارض توليه وزارة الدفاع داخل مجلس النواب يناقض نفسه ويقول عنه البطل المهدي البرغثي، فزياد دغيم وعيسى العريبي يصفان البرغثي بالبطل داخل الجلسة ويطالبون باستبداله خارجها.

هناك اتهامات لبعض أعضاء المجلس بأنهم «نواب صفقات».. هل هذا صحيح؟

- النواب هم بشر من مختلف الأطياف والمستويات، ربما يكون منهم مَن لديه مصالح خاصة، لأن البعض يريد وزراء من مناطقهم، ولهذا يهاجم الحكومة، فأحدهم يقول إنها حكومة الكرامة، والآخر يراها حكومة فجر ليبيا والإخوان والمقاتلة، رغم أن جميع هذه التسميات ممثلة في الاتفاق السياسي.

وهنا أقول، من حق حزب العدالة والبناء وتحالف القوى الوطنية المشاركة، لأنهم جزء من المشاركين في الاتفاق السياسي، ووزير الدفاع العقيد المهدي البرغثي هو أحد قادة عملية الكرامة، ومَن يعارض بحجة مدينة بنغازي، فقد جرى تقدير دورها بإسناد 7 وزارات لأبناء بنغازي، من بينها 3 حقائب سيادية أُسندت لكفاءات محترمة، مع العلم أن مدينتي الزاوية وورشفانة لم تحصلا على حقيبة وزارية.

لماذا تتم غالبية اللقاءات بين الأطراف السياسية في تونس ومصر وليس في ليبيا؟

- للأسف، لأن أغلب النواب موجودون في تونس ومصر، والسيد عقيلة صالح موجود في مصر في الغالب، وكأن ليبيا ضيقة ولا تسعهم، وللأسف يرون بأعينهم أغلب المهجَّرين الليبيين وهم يعانون في هذه الدول.

أخيرًا.. ما رسالتك لزملائك النواب المعارضين للحكومة؟
- يجب أن نصل إلى اتفاق حول عقد الجلسة في مدينة طبرق أو أي مدينة سواء في المنطقة الشرقية أو جنوب وغرب ليبيا، ومن ثم نعود إلى مدينة طبرق، وهنا أود أن أقول إنني عقدت عدة لقاءات مع الزملاء النواب الأسبوع الماضي في طبرق.
نقلاً عن جريدة «الوسط». العدد السابع والعشرون اضغط هنا (ملف بصيغة PDF)