Atwasat

رعب الآلة الكاتبة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 31 يناير 2016, 11:05 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

الكتابة عن ممارسات نظام معمر القذافي الاستبدادية ليست تشويها لصورته كشخص أو إساءة لسمعته بهذا الاعتبار، كما أنها لا تهدف إلى جعل معمر القذافي ونظامه مشجبا نعلق عليه أخطاءنا، ولا تعني، أيضا، غض الانتباه عن سلبيات النظام الذي سبقه وطوفان الجرائم الذي عم بعد سقوط نظامه. إنما تأتي كتابتنا في إطار محاولة فهم موضوعي لحقبة طويلة من الممارسات الاستبدادية دامت أكثر من أربعين سنة.

ورغم أننا لا ندعي لأنفسنا أننا مؤرخون مختصون، ولا حتى كتاب تأخذ الكتابة التاريخية جزءا واضحا من اهتمامنا، إلا أننا نعتقد أن مصادر التاريخ متعددة ولم تعد محصورة في إطار الكتابة التاريخية بحصر المعنى. لقد أصبح المؤرخون العرب، مثلا، يستمدون جزءا كبيرا من مادتهم من كتب الرحلات وكتب الطبقات والشهادات الشخصية والسير والتراجم وكتب الفتاوى والأدب، وكذلك من الروايات الشفهية.

تجلى مظهر هذا الرعب في منع بيع الآلات الكاتبة واحتكار استيرادها وتوزيعها من قبل الدولة

ثم إنه من حق أي مواطن أن يبدي رأيه في تاريخ وطنه ويشهد بما عرفه وعايشه، وحتى كابده. فلقد كنا شهودا وضحايا لمارسات استبدادية مجانية. مسألة هل هذه الكتابة تنطلق من منطلق موضوعي أم من نزعة متمحورة حول الذات أمر تحدده التفاعلات والمراجعات النقدية التي تتمخض في الحراك الثقافي الوطني.

نريد أن نركز هنا على"رعب" معمر القذافي من أي وجود، مهما كان طفيفا، للمعارضة السياسة وبالذات من تلك التي تستخدم الكتابة وتوزيع المناشير سواء كانت هذه المناشير ناشئة عن نشاط جماعي منظم أو عن مجرد نشاط فردي.

ولقد تجلى مظهر هذا الرعب في منع بيع الآلات الكاتبة واحتكار استيرادها وتوزيعها من قبل الدولة حسب حاجة الإدارات التابعة لها وتلك المرخص لها باستخدام الآلات الكاتبة. لقد بدأ هذا الإجراء آوائل السبعينيات ولست أدري متى أوقف العمل به.

ووصل التشدد الذي أحيطت به حركة الآلات الكاتبة حد أنه في فترة الثمانينيات كانت الآلات الكاتبة التي تحتاجها الجهات الرسمية والشركات يتم توزيعها عن طريق جهاز الأمن الداخلي حيث يتم تسجيل المواصفات الخاصة بالآلة ورقمها ويؤخذ نموذج من كتابتها ويتم تحديد اسم مستخدمها، طباعا كان أو طباعة، ويستدعى إلى مقر الجهاز ويؤخذ نموذج من كتابته!.

مثل هذه الممارسات الممعنة في التشدد، وفي العبثية أيضا، تدل على مدى عدم ثقة النظام في نجاعة وسداد مشروعه السياسي وأسلوب إدارته للدولة، وكذلك على إحساسه بهشاشته رغم كل ما يبديه من قوة وبطش، وما من شك في أن ممارسات استبدادية تبلغ هذا الشأو لها تأثير سلبي على تشكيل نفسيات وذهنيات الأجيال التي تتربى في إطارها، وأن لهذا التأثير إسهاما كبيرا في ما نشهده الآن من استهتار بمقدرات الوطن ومن توحش.