Atwasat

الحوار الليبي - الليبي في طبعته الجديدة:جبهة دعم استمرار الأزمة!

إدريس بن الطيب الأربعاء 25 نوفمبر 2015, 01:54 مساء
إدريس بن الطيب

التعقيدات المتزايدة للأزمة الليبية تجعل من الصعب على المحلل أن يتمكن من الإمساك بكافة الخيوط المؤثرة فيها، خاصة تلك التي تنشأ كرد فعل على تطورات بعينها يعتبرها طرف أو آخر في غير مصلحته، سواء كان هذا التصور للمصلحة صحيحًا، أو كان انعكاسًا لفهم (أيديولوجي) لمسألة المصلحة يتجاهل -في المحصّلة– مفهوم المصلحة بمعناها الشامل والاستراتيجي بعيد النظر!

ولن يكون ممكنًا –دون سرد تاريخي قصير لطبيعة الصراع وآلياته وتطوراته خلال عام واحد على الأقل- أن نتمكن من فهم الدلالات السياسية للمواقف التي اتخذها ويتخذها طرفا الصراع الأساسيان من مخرجات الحوار السياسي الذى رعته الأمم المتحدة طوال عام كامل بين البرلمان المنتخب وحلفائه من جهة، وبين تحالف فجر ليبيا وممثليه السياسيين من المؤتمر الوطني العام من جهة أخرى، وهو الموقف الذى يعتبر أول (اتفاق) بين الطرفين خلال مسيرة النزاع الدموي الذي اتّسم بكل بشاعة حرب كسر العظم سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا، وذلك برفض الطرفين –وغالبًا بنفس الحجة- لنتائج الحوار السياسي المتمثلة في مقترح الأمم المتحدة –كنتيجة للحوار- بتشكيل حكومة توافق وطني!

من الضروري لأي مقترح حل أن يشمل بعدين: بعدًا سياسيًا لفضّ الخلاف السياسي بين طرفين (سياسيين) متنازعين، وبعدًا جهويًا لإرضاء الأطراف الجهوية الثلاثة

ولا أعتقد أنه يمكن الاختلاف على أن الصراع –في أساسه- كان صراعًا سياسيًا بين مجموعة تريد ممارسة السياسة عن طريق الالتزام بنتائج الاقتراع الانتخابي، وبين مجموعة تريد -بسبب فشلها في تحقيق النتائج المرجوة- تحقيق مكاسب سياسية بقوة السلاح، في محاولة واضحة لإعادة إنتاج سيناريو معمر القذافي العام 1969 والذى يعدّ مغريًا للكثيرين بسبب نجاحه في البقاء في السلطة لأكثر من أربعة عقود، ورغم تركّز الطرف الأول في المنطقة الشرقية بسبب المشاكل الأمنية والإجرائية المتعلقة بعقد جلسات البرلمان الجديد المنتخب سواء في العاصمة أو في بنغازي المقر الرسمي للبرلمان، وتركّز الطرف الثاني في المنطقة الغربية بسبب تواجد نفوذ السلطة السابقة في العاصمة والسيطرة عليها، الآن الصراع لم يتخذ طابعًا جهويًا (شرق – غرب) بسبب وجود حلفاء للطرف الأول في الغرب (الزنتان وحلفائها، وبقايا من الجيش الموالي للبرلمان) ، ووجود حلفاء للطرف الثاني في الشرق( الدروع ومجالس شورى الثوار وحلفائهم من أنصار الشريعة والقاعدة وداعش)، وبذلك فقد حاول كل طرف من الطرفين استغلال (حصان طروادة) الخاص به في صفوف خصمه لتحقيق مكاسب عسكرية باءت بالفشل في معظم الحالات، ومكاسب سياسية حتى من خلال الحوار السياسي الذى رعته الأمم المتحدة!

لكن نتائج الحوار السياسي وإعلان مشروع الاتفاق النهائي مرفقًا بالملحق الأول المتمثل في مقترح حكومة التوافق –وما صاحبه من أجواء استعراضية إعلامية ساهم فيها دون شك أسلوب المبعوث الخاص للأمين العام- قد أحدث إرباكًا شديدًا في المناخ السياسي، وأكسبه بعدًا جديدًا لم يكن له من قبل، وهو البعد (الجهوى)، وقد حدث هذا –للأسف- بسبب طريقة تعاطي البرلمان الليبي المنتخب مع آلية ترشيحات الحكومة، حيث رسّخ فكرة الأقاليم الثلاثة، والتي لا وجود لها في كل وثائق الدولة الرسمية القانونية والدستورية!

وتأسيسًا على هذا التعاطي، فقد أصبح من الضروري لأي مقترح حل أن يشمل بعدين: بعدًا سياسيًا لفضّ الخلاف السياسي بين طرفين (سياسيين) متنازعين، وبعدًا جهويًا لإرضاء الأطراف الجهوية الثلاثة في شكل تمثيل متوازن لكل طرف منها في مجلس رئاسة الوزراء!

لكن الأطراف المتنازعة (سياسيًا) -والبرلمان منها على وجه الخصوص- قد (نسي) فكرة (تمثيل) الأطراف السياسية في حمّى زوبعة الصراخ الجهوى، وأصبح النظر إلى الأطراف الممثلة في مجلس رئاسة الوزراء يتمّ على أساس (جهوي) فقط، فلم يعد ممكنًا التعامل مع (عضو البرلمان) على أنه ممثل للبرلمان، بل على أساس أنه من إحدى المناطق الثلاث، مهما كان رأيه السياسي!!

ولهذا فقد رأينا الرفض الحازم من قبل طرفي النزاع لنتائج الحوار (من خلال المظاهرات) وغير الرسمي عبر منع التصويت عليه، وفي أجواء اتهام كل من الطرفين لمبعوث الأمين العام بأنه منحاز إلى الطرف الآخر!
وتركّزت سلطة اتخاذ القرار الرسمي في قيادة كل من المؤتمر الوطني العام (ومجموعتهم الدينية المتطرفة) وقيادة البرلمان المنتخب، (ومجموعتهم الجهوية المتطرفة)، وتم التحايل على منع التصويت على الاتفاق السياسي بكل الوسائل حتى الآن!

في هذه الأجواء السياسية السريالية، وفي مناخ الانهيار المتوالي لمؤسسات الدولة الليبية المنقسمة، وتردّي حياة المواطنين إلى أدنى صورها على كافة المستويات المعيشية -بعد الأمنية– اكتشف الأخوة الأعداء –على نحو مفاجئ ومثير للكثير من الريبة- أن الليبيين أخوة، وأنهم ليسوا في حاجة إلى أحد لكى ييسّر لهم حوارًا!

فالبرلماني الذي كان يتهم مجموعة فجر ليبيا بأنهم مجموعة إرهابية، ويصرح بأن مجرد جلوسه مع هؤلاء الإرهابيين يعدّ أكبر تنازل، صار اليوم يقول: نحن لا نحتاج إلى أحد، وأستطيع الجلوس مع (أخي) الليبي وجهًا لوجه، متناسيًا أن البرلمان هو من طلب المساعدة الدولية لحل المشكلة، وأنه –أي البرلمان- قد نبّه –في إطار الحفاظ على الثوابت- على أعضاء لجنته في الحوار بألا يجلسوا وجهًا لوجه مع (أخيهم) الليبي وألا يصافحوه!

وقيادة المؤتمر الوطني العام وأعضاؤه من الكائنات المتطرفة من كانوا يتهمون البرلمان بأنه عميل للغرب ويطالب بالتدخل العسكري الأجنبي في البلاد، وأنه برلمان خائن للأمة ويجب محاكمته بتهمة الخيانة العظمى، هم من يتحدثون اليوم عن الاختراع الرائج الجديد المسمى: الحوار الليبي - الليبي!! وكأن ما كان يجري خلال عام كامل كان حوارًا ليبيًا ليونيًّا!!

ما نحتاجه الآن هو فقط: حكومة (واحدة) لبلد (واحد)، يتعامل معها العالم ويساعدها على تجاوز محنتها، أية أطروحات أخرى، هي دفع لاستمرار الأزمة

إن محاولة القفز على الجهد المبذول طوال عام كامل من أجل كسر هوة الانقسام العميقة بين أطراف السلطة في ليبيا، سواء منها الشرعي أو سلطة الأمر الواقع، هو قفز في الفراغ معتمدًا على أطروحة وحيدة ممثلة في: (نحن أخوة)، وهو الأمر الذى لا علاقة له مطلقًا بطبيعة الصراع السياسي والعسكري الدموي الذي جرى ويجري بين أعداء مارسوا ضد بعضهم البعض أسوأ مما مارسته إسرائيل ضد الفلسطينيين، واستخدمت في هذا الصراع (بين الأخوة) كل الأسلحة الفتاكة المتوافرة عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا وعلى أقذر المستويات، ولو توافر سلاح نووي لدى أخ من هؤلاء الأخوة لأطلقه على أخيه بضمير مستريح! فعن أية أخوّة نتحدث؟؟

ببساطة ودون تزويق، تجاهل الحل السياسي المتمثل في ردم الانقسام في مؤسسات الدولة، بتشكيل حكومة (واحدة) لدولة (واحدة)، هو –عمليًا تشكيل جبهة– من الأخوة الأعداء في الطرفين لدعم استمرار الأزمة!!

الحوار على أساس أطروحة نحن أخوة، يتم في سياق ما يمكن تسميته (بالحوار الوطني) وليس الحوار لحل الخلافات السياسية الدموية، وهذا الحوار الوطني –بقدر ما هو ضرورة لحل الكثير مما نعانيه من شروخ في بنية النسيج الاجتماعي الليبي- يحتاج إلى راعٍ رسمي له ينظّمه ويموّله ويحشد له ويضع له جدول أعماله ، وهذا الراعي لا يمكن –وتحت أي ظرف من الظروف- أن يكون سوى حكومة توافق وطني تمثل كل الليبيين دون استثناء لكى تستطيع تنظيم حوار لليبيين دون استثناء!

الحصان أمام العربة وليس العربة أمام الحصان!
لا يمكن إجراء حوار وطني في بلد يتخندق فيه الأخوة الأعداء في متاريس بانتظار قنص بعضهم البعض، ولا في أجواء صراع سياسي على السلطة (الانتقالية) المحدودة الزمن! أما الاعتقاد بأن الحوار الليبي - الليبي –في طبعته الجديدة– يمكن أن يحقق نتائج (سياسية) لحل مشكلة انقسام الدولة في صيغة أفضل مما تم التوصل إليه في الاتفاق السياسي الذى رعته الأمم المتحدة، فهو وهم خالص، فهذا الاتفاق –رغم كل ما يمكن أن نقول فيه- أفضل ما يمكن تحقيقه لحل مشكلة بين سياسيين،–غير سياسيين بالمرة- وأخوة، ليسوا أخوة على الإطلاق!

الوضع الحالي:
لدينا مؤتمر وطني عام منتهي الولاية، ولدينا برلمان -باعتبار انتهاء مدته- يعتبر بمثابة برلمان تسيير أعمال، حتى يسلّم لمؤسسة منتخبة أخرى. ما نحتاجه الآن هو فقط: حكومة (واحدة) لبلد (واحد)، يتعامل معها العالم ويساعدها على تجاوز محنتها، أية أطروحات أخرى، هي دفع لاستمرار الأزمة، والتي يبدو واضحًا –من خلال حجم الإنفاقات هذه الأيام– أنه لن يدفع ثمنها لا المؤتمر ولا البرلمان ولا الحكومتان العتيدتان في بلد الأخوّة الزائفة!