Atwasat

السلطان عبد الحميد الثاني ومعادلة الماء!

عمر أبو القاسم الككلي السبت 01 أغسطس 2015, 10:16 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

كنت في المصرف. التكييف لا يتكيف ولا يكيف، والازدحام حشر، ومنظومة الصرف تنصرف إلى الراحة بين الحين والآخر، والطابور تتعدد منابعه وروافده، فلا تعرف كم نفرًا بقي أمامك قبل وصولك الشباك وأيَّ قدر بقي من مشاق الوقوف والزحام والانتظار، فمشاق سحب راتبك من المصرف أصعب من متاعب العمل عليه. لقد دام انتظاري، ولكم ألا تصدقوا، ما يزيد على أربع ساعات مما نعد!

لست أدري كيف غمرتني السذاجة وعدم تقدير العواقب فاصطحبت معي ابني الأصغر قاسم! ورغم محاولتي تسليته بأن أعطيته نقودًا وطلبت منه أن يجلس في مقهى قريب، إلا أن ما نبع من طول المدة من قلق أحبط محاولتي. فكان يوزع وقته بين الوقوف قربي قليلاً والجلوس أو الوقوف أمام المصرف أو الوقوف أو الاتكاء في ركن منه.

«لاحظت أن ردي مسه في الصميم»

كان قاسم، ذو الثلاثة عشر «ربيعا»، يرتدي«فانيلا» ذات أكمام نصفية ومكتوبًا على صدرها بحروف كبيرة GAP. تقدم مني شاب وسيم مجلبب وذو لحية سوداء غير مشذبة، لكنها لا تتوسع كثيرًا في الفراغ، وسلم عليَّ بابتسامة عريضة ودماثة، فسلمت عليه بمثل ما سلم عليَّ، ظنًا مني أنه يعرفني، وأن ذاكرتي ضيعته. لكنني فوجئت به يسألني:
- هذا ولدك؟!
قلت له:
- نعم.
فقال لي:
- الكتيبة اللي على الـ تي شيرت...
- احتفظ بالمعلومة لنفسك!
قاطعته بحزم.
دارى تفاجُأَه وسألني:
- تعرف شن معناها؟!
- احتفظ بالمعلومة لنفسك.

«قيمة الإهانة في أن يفهمها الجانب الموجهة إليه»

أعدت جملتي بحزم أشد ناظرًا في عينيه بحدة.
فتراجع وعاد إلى موقعه في الطابور متعدد الخطوط!
قال لي شخص يقف ورائي بشكل جانبي!:
- هو يقصد الكتابة...
- رجاء!
قلت له بحزم.
سكت. فاستغللت ارتباكه وقلت له:
- نتعلموا كيف انديروا طابور منظم قبل، بعدين نشوفوا حكاية الكتابة.
لاحظت أن ردي مسه في الصميم.

طبعًا، كنت أمر أحيانًا بـ «هراءات» تتحدث عن معانٍ خفية خلف مختصرات العلامات التجارية، ولا بد أن تكون هذه المعاني تطعن في الإسلام. كنت أضحك وأنا أقرأ سطرًا أو سطرين من هذه الهراءات وأنصرف عنها، وأتساءل بيني وبين نفسي: من أدخل في ذهن «المسلمين» أن العالم لا يفكر إلا فيهم؟! وأنه يخطط لإهانة الإسلام حتى في اختياره لأسماء علاماته التجارية؟ وما فائدة وضع إهانات خفية لا يفك طلاسمها إلا أناس متميزون بمواهب خارقة يمن الله بهم على هذه الأمة المنكوبة، وقد لا يحدث هذا إلا بعد أزمان طويلة أحيانًا؟ إن قيمة الإهانة في أن يفهمها الجانب الموجهة إليه. أعتقد أن الغرب لو كان مهتمًا بهذه التفاهات فعلاً لما أحرز هذا التقدم والتطور والتفوق، وأن المسلمين لو اجتهدوا في شؤون الفكر والعلم والحضارة، بحماس اجتهادهم في التفاهات، لكان شأنهم غير الشأن وحالهم غير الحال.

«هذه الخزعبلات يمكن أن تطبق على أي اختصار»

إن أمثال هذه الخزعبلات يمكن أن تطبق على أي اختصار ويمكن تطويعها لمثل هذا النوع من ضيق الأفق. ففي إحدى حواشي كتابه «المثقفون العرب والغرب» يورد هشام شرابي واقعة مفجعة حد القهقهة تقول إن رقابة المطبوعات العثمانية أيام السلطان عبد الحميد الثاني صادرت كتابًا في الكيمياء كان مرسلاً إلى إحدى المدارس الأجنبية بسبب المعادلة الكيميائية للماء التي صيغتها بالإنجليزية H2O بدعوى أن بها رمزًا خفيًا مؤداه: عبد الحميد الثاني يساوي صفرًا!