Atwasat

ليون يدق مسمار جحا في جدار المؤتمر الوطني

عمر الكدي الأربعاء 10 يونيو 2015, 09:40 صباحا
عمر الكدي

أثارت المادة 23 من المسودة الرابعة من الحوار الوطني في الصخيرات، التي قدمها برناردينو ليون يوم الاثنين إلى أطراف الحوار الليبي الكثير من الجدل، فالمادة تنص على أن يكون 90 عضوا من مجلس الدولة من أعضاء المؤتمر الوطني العام، وأن يتم اختيار الثلاثين عضو الباقين من الشخصيات العامة، ليصبح عدد أعضاء مجلس الدولة 120 عضوا، فالكثيرون اعتبروا أن ليون كافأ المؤتمر على دوره الانقلابي والتخريبي، بدلا من معاقبته، إلا أن الوسيط الأممي له وجهة نظر مختلفة لا تخلو من حكمة وبعد نظر.

فهو يقف وسيطا بين طرفين متخاصمين، وإذا كان مجلس النواب المنتخب هو الذي يسيطر على العاصمة لاختلف الأمر، ولكن عندما تسيطر قوى سياسية مسلحة على العاصمة فلابد من تقديم تنازلات لها، ولكنها ليست تنازلات جوهرية وإنما هي تنازلات شكلية، سيتضح لاحقا أن ليون دق مسمار جحا في جدار المؤتمر الوطني.

أخذ ليون في اعتباره أنه عند تطبيق الترتيبات الأمنية ستخرج كل الكتائب العسكرية من طرابلس التي ستكون مقرًا لحكومة الوفاق الوطني ولمجلس الدولة

فمجلس الدولة المثير للجدل هو أعلى جهاز استشاري في الدولة، مهمته إبداء الرأي في القوانين والقرارات التي تعتزم الحكومة إحالتها إلى مجلس النواب، كما يبدي رأيه في الاتفاقيات الدولية التي ستبرمها الحكومة، وهكذا تمكن ليون من خفض مستوى المؤتمر الوطني من سلطة تشريعية إلى سلطة استشارية، بينما بقي مجلس النواب هو السلطة التشريعية في البلاد، ويمكن القول أن مجلس الدولة هو أقرب إلى مجلس الشيوخ في العهد الملكي، الذي كان يتولى مراجعة تشريعات مجلس النواب، والتأكد من خضوعها للدستور، وهو ما يطلق عليه في بعض الدول «الغرفة الأولى»، بينما يسمى البرلمان «الغرفة الثانية».

أخذ ليون في اعتباره أنه عند تطبيق الترتيبات الأمنية، ستخرج كل الكتائب العسكرية من طرابلس، التي ستكون مقرًا لحكومة الوفاق الوطني ولمجلس الدولة، وستتولى القوات المسلحة والشرطة، إن لم يتم الاستعانة بقوات أممية، تأمين العاصمة والحكومة ومجلس الدولة، وعندها سيجد أعضاء المؤتمر الوطني أنفسهم أحرارا من الضغوطات التي كانوا يعانون منها، منذ أن هيمن الإسلاميون على العاصمة وارهبوا أعضاء المؤتمر الوطني، الذين فضل بعضهم الانسحاب، بينما أجبر الآخرون على الصمت منذ إقرار قانون العزل السياسي، في حين اكتفى آخرون بالأموال، وإذا رجعنا بالذاكرة إلى الوراء في بداية عمل المؤتمر الوطني سنجد أن الإسلاميين كانوا أقلية، ولكن بعد أن رأى النواب التوابيت أمام مقر المؤتمر سارع أغلبهم بالالتحاق بكتلة الوفاء لدماء الشهداء بقيادة عبد الوهاب قايد، والانفراج الأمني سيعيد المؤتمر لتلك الأجواء، وبعد عودة أعضاء المؤتمر الذين قاطعوا جلساته في طرابلس، سترجح كفة المعتدلين والوطنيين في المؤتمر، وعند انتخاب رئيس ونائبي مجلس الدولة سيختفي أبو سهمين ونائباه، كما أن اختيار 90 من قرابة مائتين سيمنح الفرصة لليون للتخلص من المتشددين، أمثال السويحلي وعبد الوهاب قايد وصلاح بادي.

في أي مفاوضات لابد من التنازل ولا يستطيع أحد أن يتحصل على كل مطالبه في أي مفاوضات، ومطالب وفد المؤتمر الوطني منذ البداية هو تشريع وجوده، فشطبه بسهولة لن يكون محمود العواقب، وخاصة أن قواته تسيطر على العاصمة وعلى معظم الغرب الليبي، وفي تقديري أن المسودة الرابعة ستنجح ليس لأنها أتت بحل سحري في بلاد لا تخلو من سحرة ومشعوذين، ولكن لأن الأزمة انفرجت اجتماعيا قبل الكشف عن مسودة الحوار، من خلال المصالحات التي شهدتها المنطقة الغربية، والتي توجت بتبادل المحتجزين والترتيبات الأمنية بين المناطق.

من المهم في هذه المرحلة الدقيقة اختيار حكومة ترأسها شخصية سياسية قوية، وفي نفس الوقت تتمتع بكفاءة إدارية عالية، والبدء فورا في إعادة البناء وعندما تنعكس الإصلاحات الاقتصادية إيجابيا على الليبيين سينسون الحروب ويفضلون السلام، وأهم الملفات العاجلة التي ستشغل الحكومة في عمرها القصير محاربة الإرهاب، وعودة النازحين والمهجرين والمصالحة الوطنية، وتحسين الخدمات وتعويض المتضررين، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وبعد تشكيل الحكومة سيساعد المجتمع الدولي ليبيا في كل المجالات، بما في ذلك رفع الحظر عن تسليح الجيش، حتى وإن اشترط المجتمع الدولي التخلص من شخصيات عسكرية مثيرة للجدل، وإعادة بناء الجيش على أسس مهنية.

ثمة ملاحظة سبقني إليها مندوب ليبيا في الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي، الذي اقترح تعديل فقرة أن تكون قرارات مجلس الدولة ملزمة للحكومة، بحيث يكون الإلزام إذا صوت ثلثا أعضاء المجلس على القرار، أما إذا جاء التصويت بأغلبية قليلة فليست الحكومة ملزمة بالأخذ باستشارة مجلس الدولة، خوفا من أن ترتهن الحكومة بما يراه هذا المجلس، خاصة وأن ليون يحاول من خلال هذه المسودة تقوية الحكومة، وإضعاف مجلس النواب ومجلس الدولة، فالأول انتزع منه صفة القائد الأعلى للجيش، والثاني انتزع منه صفته التشريعية.