Atwasat

ظاهرةُ القبائلِ الليبيةِ الجديدة!

أحمد الفيتوري الأحد 24 مايو 2015, 10:41 صباحا
أحمد الفيتوري

• الحزبيةُ قبيلةٌ عصرية!
كنا في سجن"بوسليم" بطرابلس الغرب فترة الثمانينات، نُمطَرُ باستماراتٍ مليئةٍ بالأسئلةِ التفصيليةِ عن الأصلِ والفصلِ والمعارفِ وعن القبيلة، المفروض أن نجيبَ بدقة وبمعلومات صحيحة عن كل سؤال، أي تجاوز يعنى العقاب ما لا نعرف حده، زميل لي في الزنزانة من طرابلس كان كل مرة يترك خانة القبيلة فارغة، فيأتي الحرسُ المسئول عن جمع هاتيك الاستمارات مُعنفا تركهُ خانة فارغة دون كتابة أي إجابة، الزميل في كل مرة يُحججه أن لا قبيلة له، نعم له عائلة كبيرة معروفة في المدينة القديمة بطرابلس، وهي عائلة حرفية عريقة لكن لا قبيلة له، كان الحرس الذي من مدينة سرت يعنفه، بل ويشتمه بأن لا أصل له، وأنه علج تركي أو نصراني إيطالي، كنت أطيب خاطر زميلي- من نكتب اسم عائلته في خانة القبيلة – بأنه قد شتم بأنه من قوم حكام حكموا البلاد، وكانوا الفاعلين في العالم بما فيه ليبيا. كان مايُغيظ زميلي أنه مُتهمٌ بأنه شيوعي ومعادٍ للنظرية العالمية الثالثة، نظرية القذافي لخلاص العالم، ويُطلب منه غصبا عليه الانتماء لقبيلة ما.

ليبيا تلك تسلط عليها القذافي لمدة تتجاوز أربعة عقود بنظرية ثالثة لخلاص العالم، جاعلا من البلاد مثابة عالمية لشعوب العالم، وترجم الكتاب الأخضر بفصوله الثلاثة للغات العالم، ودربت على الأراضي الليبية عسكريا منظمات تحرير من أصقاع الدنيا، ولم يطرح القذافي مرة نفسه كابن لقبيلة، وإن تردد كثيرا على مسقط رأسه مدينة سرت ما جعل منها قبل سنوات من رحيله عاصمة للبلاد. أظن أنه استمد جانبا من هوسه هذا، أي التوجه لقيادة العالم– دون وعي منه– من المكون الأول لتاريخ البلاد الحديث، وأعني الحركة السنوسية ما نجحت في تكوين دولة ليبيا الحديثة، والسنوسية حركة إصلاحية دينية تستهدف خلاص البشرية كافة، وهكذا نجحت في صهر البلاد في مرحلتها الجهادية الأولى ضمن مكونها الديني هذا، وقد دخلت في حروب ضد النفوذ الفرنسي في تشاد والانجليزي في مصر، حتى استقرت وانصهرت في البُعد الوطني الليبي مع مجيء الاستعمار الإيطالي. وهذه البسطة تُبين أن المكون المجتمعي الليبي الحديث ساهمت السنوسية في عجنه وتشكيله، ومن ثم الاستعمار الإيطالي صهره في دولةٍ تتكون من أقاليم جغرافية:(فزان إقليم الصحراء،وطرابلس في الغرب يفصلها عن برقة في الشرق قاب صحراوي طويل)، وأن هذه الأقاليم تتكون من عدد كبير من المدن، التي استقطبت الرُحل ودمجتهم فيها مع ازدياد دورها الاقتصادي ونموها.

ولذلك ظهرت الدولة المركزية وتمكن القذافي من انقلابه العسكري الذي قاده من المدينة الثانية في البلاد: بنغازي، ومن ثم مركز العاصمة طرابلس حتى جعل منها الدولة، ولم تظهر خلال عقودٍ طويلة تصلُ القرن أي مظاهر قبلية التي كانت تندثر وتضمحل، وخلال فترة الدولة الليبية الملكية ثم دولة الانقلاب العسكري لم يكن ثمة وجود قبلي البتة، وكما تبين قصة زميلي التي أشرنا إليها كان الإصرار كما مفارقة سياسية، ومن جهتي مثلا من لقبي يحيل على قبيلة ما، ملأت باللقب الخانة المطلوبة دون أي اعتبار، لم يكن ثمة وجود حقيقي للقبيلة التي تمثل كنيتي، و لم يكن أي وجود لأى قبيلة في الواقع ولا أثر لها ولا فاعلية.
حكم القذافي بقبضة حديدية وبالنار البلاد ولم تكن في البلاد قبيلة غيره كمفرد، وسجن الكثيرين بتهم حزبية، وكان يردد حول الحزبية في كتابه الأخضر: الحزب قبيلة العصر أو كما قال، وبهذا أردا وصم الحزبية بأنها فكرة عتيقة وبالية، فقال: الحزبية اجهاضٌ للديمقراطية.

ليبيا تلك تسلط عليها القذافي لمدة تتجاوز أربعة عقود بنظرية ثالثة لخلاص العالم، جاعلا من البلاد مثابة عالمية لشعوب العالم

• استظهار روح القبيلة!
عقب ثورة فبراير 2011م، بل وفي منتصف عام 2013 م، كُنت في الطائرة مُتوجها من بنغازي مدينتي إلى العاصمة طرابلس، حين التقيت صديقا لم ألتقه منذ ثلاثين عاما، كانت مفاجأة وأضاف أنه غدا عقيد طيار يقيم بطرابلس وألح على دعوتي للغداء في بيته، في البيت كانت المفاجأة الثانية: بعد ثلاثين عاما أراد صديقي أن يعرفني بأنه من قبيلة.... فعزم ثلة من قبيلته فقط، وفقط كنت أعرف أنه مواليد الإسكندرية حتى أننا في المدرسة كنا نكنيه بالمصري للهجته ليس إلا، وعرفت أنه درس دراسة عسكرية عليا في موسكو كما ثلة المعازيم، أغلب الجلسة كنت صموتا، أحدهم فطن فدعاني للحديث وفض عزلتي، بينتُ له أنكم كنتم مجمعا قبليا مصمتا، و حديثكم طوال الوقت حول القبيلة قبيلتِكم، لم أتحدث مُستغربا ومدهوشا فأنتم في حديث عن عصبية قبلية، مما سردتموه هي عصبية قوية، وأنا قادم من مدينة اغتيل فيها أكثر من عشرين أكثرهم من ضباط الجيش مثلكم، وهم من قبيلتكم كما تزعمون، وقبلها قُتل ضابط كبير منكم ما رأينا عصبيتكم ولا رأينا غيرها، ما رأينا غير تُجار للقذافي رددوا ما ترددون تلبية لرغبته في خلق نزاعات ولو تاريخية عافها الزمن، فانبثقت في مخيلته بعد أن أصابه الوهن، ما عدتم إليه من حواديث وقصص الأولين وما جاء في بعض الكتب البحثية المختصة، فما الذي أنهض العفريتَ من رماده؟. علق أحدهم: سكت دهرا ثُم نطق كُفراً.

ما الذي جعل هذه الثلة المسكوفية تجنحُ هذه الجنحة؟
خرج شرق ليبيا في الأيام الأولى من ثورة فبراير 2011م عن سلطة نظام القذافي، دخلت ليبيا في أزمة ثم حرب أهلية، في الأزمات هذه يكون للمخابرات دور رئيس، شرق ليبيا كان على علاقة عقب الحرب العالمية الثانية ببريطانيا العظمى التي مخابراتها خبيرة بالمنطقة، ومن تقاليدها أن توطد نفوذها من خلال القوى التقليدية والمحافظة لأنها تنشدُ السيطرة والاستقرار، أعتقد أنها كانت مرجعا وأنها منذ اللحظات الأولى كانت على الأرض وأخرجت من سجلاتها القديمة رسما بيانيا لليبيا، ليبيا التي عاشت حجْراً صحياً من قبل نظام القذافي لعقودٍ أربعة، ولمُحاصرة هذا النظام ساهم الغربُ في محاصرةِ البلاد واستبعادِها من الخارطة، لدرجة أن نشراتِ الأخبار المناخية استبعدت ليبيا من الخارطة العالمية، وكانت الميديا وبحاث الصحافة قد رأوا مرأى العين ما يُخاض في الشرق العربي من حروبٍ طائفيةٍ ومذهبية، ولغياب ذلك في ليبيا البلد المسلم السني المالكي– كما دول المغرب العربي- تم استخراج من بطون الكتب الحروب القبلية لتفسير الحرب الأهلية الليبية، حتى أنك تجد ببغاء ليبيا يردد جملا كالحرب بين قبيلة مصراته وقبيلة الزنتان أو قبيلة التبو الذين هم من الشعوب القديمة وليسوا قبيلة، وحتى تم تكريس أسماء جديدة مثل منطقة"ورشفانة" بدل العزيزية، وهكذا أعيد نبش التاريخ لتكريس التحارب ولتأجيجِ الانقسامات، واتخذ من مقتل رمضان السويحلي-الحادث في بدء القرن الماضي- من قبل عبد النبي بالخير الصويعي، اتخذ كحجة لثأر قبيلة مصراته من قبيلة بنى وليد!!.

الأزمات بطبيعتها تُؤلف الأساطير وتُحيي الرميم، وزد على ذلك أن الحرب الأهلية تجعل من توافه الأمور أعظمها، حيث يغيب العقل وتُستحضر الهمجية واللامعقول فيسير العقل الباطن العميان. وليبيا كما سوريا والعراق وقعت ثورتها تحت هيمنة وتدخل دولي ما تتعدد مصالحه، والأطراف الباحثة فيه عن نفوذ في البلاد، هذا النفوذ ما يبرر أنك ما تفوز به العب به، بريطانيا اللاعب الأساس الذي لم يظهر على السطح في الأزمة الليبية، كما ظهرت فرنسا في تونس وأمريكا في مصر، بريطانيا هذه مرتكز استراتيجيتها الإمبريالية مبدأ فرق تسد، ومن هذا المبدأ لحلِّ الأزمة لابد من تفاقمها، من هذا وغيره يتم استعادة دور القبائل جنرال الجيش الميت، ما يُؤجج النفوسَ بماضٍ زال ونستهُ ومشى!، أو كما جاء في أغنية للفنان الليبي محمد صدقي.

• هامش: من لا يؤمن بنظرية المؤامرة أدعوهُ لعدم تضييع وقته وعقله في الاطلاع على هاته المقالة، أما من هم مخدوعون–مثلي- بهكذا نظرية فمن واجبهم الاستزادة بالاطلاع على كتاب: التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين– تأليف مارك كورتيس – ترجمة كمال السيد – الناشر المركز القومي للترجمة – 2014م . وهو ترجمة لكتاب:SECRET AFFAIRS :Britan's Collusions with Radical Islam By: Mark Curtis . وهو يقدم معلومات هامة عن دور المخابرات البريطانية في ليبيا وفي الشرق الأوسط جملة. وفي ذات السياق كتب ونشر رجل مُخابرات تُونسي، كُتيبا هو عبارة عن بيان، يُشخص فيه الشخصية الليبية باعتبارها شخصية قبلية رعناء عدوانية وسفاحة دماء، وقد تحول الكتيب كما برتوكولات حكماء صهيون مرجعاً أساس.