Atwasat

ليبيا تعود إلى تجارة العبيد بعد أكثر من قرنين

عمر الكدي الأربعاء 22 أبريل 2015, 09:14 صباحا
عمر الكدي

وصف وزير خارجية إيطاليا باولو جينتيلوني يوم الثلاثاء مهربي المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا، بأنهم تجار الرقيق في القرن الحادي والعشرين، وحذر جينتيلوني بأن إيطاليا ستتخذ إجراءات محدودة ضد مهربي البشر في شمال غرب ليبيا، رافضا التدخل العسكري في ليبيا في هذا الوقت.

وتسعى إيطاليا لإقناع الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن، بأن هذا النشاط المتزايد لمهربي المهاجرين من سواحل غرب ليبيا، إنما هو نشاط لتمويل الإرهاب في البلاد.

ليس جديدا على ليبيا الاتجار في البشر، ففي العصر القرهمانللي كان المصدر الأساسي للاقتصاد الليبي، هو تجارة العبيد والقرصنة، وأدى هذان النشاطان إلى مواجهات مع تقريبا جميع الدول الأوروبية، كما أدى إلى أول حرب تخوضها الولايات المتحدة خارج حدودها بين عامي 1801، و1804، وهي الحرب التي كادت تطيح بعرش يوسف باشا لصالح شقيقه الأكبر أحمد القرهمانللي، وأدت نتائجها إلى عواقب وخيمة لقبائل شرق ليبيا التي انحازت لأحمد القرهمانللي، مثل قبيلة أولاد علي والجوازي، اللتين أجبرتا على الرحيل إلى مصر فيما يعرف بتجريدة حبيب.

وبالرغم من صدور قوانين دولية تحرم تجارة العبيد عام 1814، إلا أن الليبيين استمروا في تهريب العبيد من أفريقيا إلى الساحل الليبي، نظرا للأهمية الاقتصادية لهذه التجارة، وتؤكد المراجع التاريخية أن مرزق كانت تستقبل سنويا 2500 عبدٍ، ووصل سعر العبد أو الأمة إلى 100 مغرفة زيت أو جمل وثلث، وهو سعر يقل كثيرا عن سعر تهريب مهاجر غير شرعي إلى أوروبا، والذي بلغ ألف دولار.

وتوجد في غرب ليبيا بنية تحتية متكاملة لتهريب البشر عبر البحر المتوسط منذ عهد القذافي

وتوجد في غرب ليبيا بنية تحتية متكاملة لتهريب البشر عبر البحر المتوسط منذ عهد القذافي، الذي لعب بورقة الهجرة غير الشرعية للخروج من أزمة لوكربي، وكان ضباط من الأمن الداخلي يشرفون على هذه التجارة التي تدر ملايين الدولارات، ليس فقط على المهربين فقط، بل على النجارين الذين يصنعون المراكب أو مستوردي القوارب المطاطية، كما استفاد أصحاب المزارع القريبة من موانيء الاقتلاع الذين حولوا مزارعهم إلى مخبأ للمهاجرين، بالإضافة إلى سائقي سيارات النقل.

لا يوجد في شرق ليبيا أو وسطها مثل هذا النشاط، لبعد الساحل الأوروبي عن ساحل برقة، ولوجود تيارات قوية في خليج سرت، بينما تتميز منطقة غرب ليبيا بقربها من جزيرتي مالطا ولامبيدوزا الإيطالية، كما أن الرحلة أكثر أمنا ومع ذلك غرق في اليومين الماضيين أكثر من ألف مهاجر، دفعوا للمهربين مليون دولار، ويبحر المهاجرون من ميناء زوارة وصبراته، والقره بوللي والخمس ومصراته، وهي جميعا مناطق تخضع لقوات فجر ليبيا.

من أين تأتي مليشيات فجر ليبيا بما يمول نشاطها في غرب البلاد؟، إذا لم تلجأ إلى هذا المصدر الذي ربما تجاوز دخل النفط عندما كان الجضران يسيطر على موانيء الهلال النفطي، وهو ما يفسر استماتة قوات مصراته أو ما يعرف بالقوة الثالثة للبقاء في جنوب البلاد، فمن هناك يأتي المهاجرون بعد أن يقطعوا الصحراء الكبرى نحو ليبيا، أو يأتون من القرن الأرفيقي عن طريق السودان، ومن هناك يبدأون دفع ما معهم للمليشيات التي تستقبلهم وتنقلهم نحو الساحل، وإذا نفدت أموال المهاجر فيبحث عن عمل في طرابلس ومصراته حتى يجمع الألف دولار، وهو ما يفسر عدم اتخاذ حكومة ما يسمى بالإنقاذ الوطني في طرابلس أي إجراءات جدية للحد من الهجرة غير الشرعية، وماذا ستعمل مثل هذه الحكومة؟ إذا كانت عائلة نوري أبو سهمين قد أثرت ليس من أموال المؤتمر الوطني، وإنما من تهريب المهاجرين من ميناء زوارة.

تفاقم الهجرة غير الشرعية انطلاقا من ليبيا واقترانها بتمويل الإرهاب، سيجعل من ليبيا محط أنظار القوى الكبرى أكثر من ذي قبل، وسيعجل ذلك في التدخل العسكري، أو على الأقل محاصرة الشواطيء الليبية، بحيث لا يخرج منها لا نفط ولا مهاجرون، بينما تتولى دول الجوار ضبط تهريب السلاح إلى ليبيا، كما تفكر إيطاليا في فرض إجراءات محدودة على مهربي البشر، وقد يصل الأمر إلى اعتقال المهربين مثلما اعتقل أبو أنس الليبي وأحمد أبوختالة ومحاكمتهم في إيطاليا، وقد يلجأ سلاح الجو الإيطالي إلى قصف البنية التحتية للمهربين في موانيء غرب ليبيا، خاصة إذا نقل المهاجرون من غرب إفريقيا وباء إيبولا معهم، فعندها لن يخرج أحد من ليبيا لا إلى أوروبا ولا إلى دول الجوار، حتى يقتل من الليبيين ما قتل الطاعون في القرن الثامن عشر، عندما لم يجد الموتى من يدفنهم.