Atwasat

العيب، كالمشنقة السويسرية، لا يُعار !

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 01 أبريل 2015, 11:39 صباحا
محمد عقيلة العمامي

قرأت مؤخرا:" أنه على الرغم من تفاني السويسريين في إسعاد ضيوفهم، فإن سكان المدن الصغيرة يطلقون على الشخص القادم من البلدة المجاورة(الأجنبي اللعين)! وقد اشتهرت قصة عن بلدة" أرنين" السويسرية، التي تقع في وادي"كونش" مفادها أن أهل البلدة رفضوا السماح باستخدام مشنقتهم في إعدام رجل من بلدة أخرى قائلين:" هذه المشنقة لنا ولأطفالنا فقط !!" سويسرا، أيضا، أصيبت بلعنة حرب أهليه، حدثت مرتين الأولى ما بين سنتي 1529/1531م، أما الثانية فهي من 1656 إلى 1712م.

الحربان سببهما انقسام البلاد إلى معسكرين مسلحين: أولئك الذين اقتنعوا بحركة الإصلاح الديني(البروتستانت) والآخرين المؤمنين بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية. لم ينتصر أحد منهما انتصارا حاسما، وإنما صار 55% كاثوليكا، والباقون بروتستانتا.

قد يكون سبب نعتهم للشخص القادم من البلدة المجاورة بالأجنبي اللعين هو اختلاف معتقده عن معتقدهم؟ وقد يكون رفضهم لإعارة مشنقتهم لتستخدم لغير المقتنعين بمذهبهم خشيتهم أن تتلوث برقبة كافرة؟ أو قد يكون السبب لا علاقة له بالمعتقد الديني على الإطلاق! سويسريو العصر الحديث هادئون، مهذبون يصنعون للعالم الشكولاطة المتميزة، والساعات المنضبطة مثل مواقيت حافلاتهم العمومية، وعدادات سيارات أجرتهم، ويحتفظون لرجال أعمال العالم، وكذلك لصوصه، ومجرمي حروبه، بمختلف العملات الحرة، وأحجارهم الكريمة، والذهب، ولم نسمع يوما عن خيانة مؤسسة من مؤسساتهم للأمانة.

لم أسمع، ولم أرَ،خناقة ما بين سويسريين في شوارعهم النظيفة، جيدة الإضاءة، حتى أثناء تشردي، في شبابي، في مواخير وأقبية مدنهم القديمة. ولذلك استغربت مما قرأته عنهم بشأن إعارة المشانق! السويسريون يحبون بلادهم كثيرا ويحرسونها جيدا. فقد اتكأتُ ذات مرة على حافة رف بمقصورة هاتف عمومي، فأوقعتها.. حاولت إعادتها إلى مكانها فلم أفلح. تركتها متدلية، وعندما خرجت واجهتني عجوز بوجه محروث بتجاعيد بالعرض والطول وعينين تلمعان بدقة مخبر حقيقي.. كانت، فيما يبدو، تراقبني.

ما الذي غير السويسريين؟ ما الذي جعلهم يتبادلون الأنخاب ويهدون لبعضهم البعض الشكولاطه وربما المشانق؟

قالت لي متبسمة:" رقم الطوارئ هناك فوق التلفون.. اتصل بهم وأخبرهم عما حدث؟" أجبتها مازحا:"وإن لم أفعل؟" سحبت من حقيبتها هاتفها وقالت:" سوف أتصل أنا بالبوليس، الذين سيكونون هنا قبل أن تفكر في الهرب.. وسوف تدفع لي، في الحال، قيمة المكالمة، قبل أن يقودوك إلى المخفر!" ولم تتزحزح من مكانها حتى اتصلت بالطوارئ وطلبوا مني أن أعطي جواز سفري للعجوز حتى تملأ بياناته! وذات مرة، دعاني الصديق عبد العزيز الفرطاس، عندما كان يعمل بمكتب الخطوط الليبية في زيورخ إلى عشاء، وأخذني من الفندق بعربته، كنت ساعتها مدخنا..أخرجت من العلبة آخر لفافة.. وطعجت العلبة ورميتها من النافذة.

وصلنا المطعم بعد حوالي ربع ساعة، وما إن ركن عبد العزيز عربته حتي وقف عند نافذة سيارته مواطن سويسري أبرز بطاقته وطلب منه إثبات شخصيته ليبلغ عنه الشرطة لتحرر له مخالفة.. وعندما فسر له عبد العزيز أنني أجنبي، وأنني وصلت من يومين فقط، اقتنع بكلامه، ثم وجه كلامه لي وأخبرني أن الشوارع ملكنا جميعا وهي بالتأكيد ليست صندوق قمامة فلا ترمِ شيئا إلاّ في الصناديق المخصصة لذلك، أو احتفظ بها وارمها في بلادكم!" وقد اعتذرت له وكدت أن أقبل يده!

ما الذي غير السويسريين؟ ما الذي جعلهم يتبادلون الأنخاب ويهدون لبعضهم البعض الشكولاطه وربما المشانق؟ لماذا صاروا يقولون لبعضهم البعض:" يا صديقي العزيز.. بدلا من الأجنبي اللعين؟" أنا لا أريد أن أزعج رأسي الآن، بهذا التساؤل، الذي لا يساهم أبدا في حوارنا الذي يجري، الآن، في بلادهم! أنا أريد أن تُعينوني في الإجابة على تساؤل بسيط للغاية؛ وهو هل حالة هذا التطاحن بين مختلف الفصائل والتكتلات، والأحزاب الليبية ستستمر طويلا؟ بل وبأكثر دقة: أليس لهذه"الحرب" نهاية؟ بمعني هل هناك حرب لم تنتهِ؟ ألم تنتهِ حروب استمرت سنوات ولكنها في النهاية انتهت بحوار، كالذي يدور،الآن، في جنيف؟

حسنا.. أنا على يقين أنكم أجبتم أن لكل حرب نهاية، ومصير تقاتل الفرقاء في ليبيا أن ينتهي، آجلا أم عاجلا، وسوف يبعث لنا أصدقاؤنا من مصراته ببراسيل التمر"البكراري" والزميتا... وزيت الزيتون.. وسوف نبعث لهم أوان فصل الربيع، لمن عاش منهم في الشرق، بالقعمول، والعسل الحنون! وسوف يجدون لأبنائنا فرص عمل، مثلما فعلوا عندما همش نظام القذافي الشرق برمته! غير أنه يظل سؤال مُلح يزعجني، ويخطر على بالي كلما قرأت تعليقا" تافها" من بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا من تلك الأسماء التي تتصدر المراكز الإعلامية؟ بأي وجه سوف يتعاملون مع خصومهم بعد انتهاء أزمة ليبيا؟ كيف سيجدون الابتسامة عندما يلتقون ويتصافحون؟ ومن منا لا يعرف أن التطاحن قد يطول والمصالحة قد تتأخر؟ ولكن من لم ينبت اليقين في وجدانه أن ليبيا كيان واحد لن يتجزأ."فلا تقل ما يمكن أن تندم على قوله.. فكل شيء يمكن إعادته إلى مكانه الصحيح إلا ما تكتبه في صفحتك... لأن مغبته" صيورها في صفحتك "!