Atwasat

باردو: 11 سبتمبر تونس (الإرهاب ابن حرام لا أب له ولا أم أيضا ّ!)

أحمد الفيتوري الأحد 22 مارس 2015, 09:30 صباحا
أحمد الفيتوري

- 1 (تقدم فترات الأزمة مناسبات مفيدة لفهم كيفية تجميع وإعادة تنظيم هذه العوالم. غالبا ما يكون الإعلان عن أزمة محاولة لإدخال قوى جديدة أو تحديد مخاطر يجب اتخاذ قرارات إزاءها وهي تتطلب أيضا تحديد الموضوع أو الموضوعات المجمعة المعرضة للخطر. وقد تفلت القوى المدخلة والمخاطر المحددة والموضوعات المجمعة جميعا من سيطرة من يحاولون تعبئتها أو السيطرة عليها) - ديمقراطية الكربون، السلطة السياسية في عصر النفط - تيموثي متشل – ترجمة بشير السباعي وشريف يونس– ط (1) المركز القومي للترجمة – القاهرة – 2014.

- 2 أوقفَ اللصوصُ عربتهم، عربة (كارو) يقودُها بغل، أمام بيتنا في حي الصابري بمدينة بنغازي، في ليلة ماطرة و زمهرير من شتاء 1963 م، تمكنوا من فتح الباب بيُسر ودخلوا لغرض سرقة المربوعة(غرفة الضيوف) التي حولها أبي إلى مخزن لدقيق مخبزه، أبي كان ساهرا في المخبز باعتباره الرايس، وفي البيت كانت أمي وزوجة أبي مرعوبتين فلم تجدا أمامهما غير إيقاظ الذكر الوحيد في البيت الذي هو في السابعة من عُمره، وكنتُ ذاك الذكر فدفعا بي نحو سقيفة البيت في حالة نعاس، و بشجاعةِ من لا يعلم ما هو مُقدم عليه اندلفتُ صارخا: أبي، أبي، أبي، فُجَاءة اندفع ثلاثة مرعوبين نحو الباب مهرولين دون التفات. وفي الصباح كنتُ في المخبز يُقدم لي الصول خليفة ضابط مركز شرطة الصابري الحلوى، ورجل أشقر هو عمى كوستا– الذي هو صاحب البغل– قدم لي لعبة مسدس من البلاستيك، ورجل أسمر هو عمي مفتاح– الذي هو صاحب العربة– قدم لي جنيها، وكان أبي يفاخر بابنه. احتجتُ إلى سنوات ضعف عمري حتى عرفت أن جارينا من انقذتُ معاشهما من اللصوص أحدهما مسيحي يوناني، وأن الآخر يهودي ليبي. وفي عام هذه الحادثة أي 1963 زلزلت الأرض زلزالها في مدينة المرج التي تبعد عن بنغازي بـ 100 كيلو متر تقريبا، وجلبت الدولة شركة بولندية لتبني مدينة جديدة، كان العمال والمهندسون يزورون بنغازي كل أسبوع تقريبا للتسوق والفسحة، وكان هؤلاء البولنديون يشترون من دكانة لأبي حيث أتواجد للعب ولمساعدته، وكان هؤلاء البولنديون يدعون بالشيوع أي الشيوعيين من قبل أهل المدينة ومن قبلي، وآنذاك كان ثمة إعجاب بهم كعاملين مهرة وبالاتحاد السوفيتي حليفنا وحليفهم.

- 3 تذكرت هذا لحظة ضرب الإرهاب قلب تونس، مقر متحف باردو و مجلس نوابها، تذكرت أن الإرهاب ضرب الجزائر منذ عام 1988 وحتى العام المنصرم، وأنه يلعب في بوابة تونس الشرقية ليبيا منذ أعوام، ولكنه لا يمس تونس الخضراء إلا كشظايا، وتذكرت كذلك الأردن الذي يحوطه الإرهاب في جانبيه العراق وسوريا ولا تصله شظية، ولم أتذكر إسرائيل المنسية التي جلبتها أخبار انتخاباتها الأخيرة، لكن قبل ذلك كأنها بلد في نجم لم تطله يد ناسا بعد فما بالك يد داعش، تذكرت ذلك وتساءلت هل أن الإرهاب ابن حرام لا أب له وأيضا لا أم له؟، واستغفرت الله في سؤالي التجديفي هذا، فاستبعدت السؤال بسؤال هل يكون إرهاب زماننا ابنا شرعيا للنفط ومجتمعاته القبلية المتخلفة اجتماعيا! كبلادي ليبيا ومثلها سوريا والعراق... وهلم جرا؟، لكن تذكرت اليمن و دولة الإمارات، وحين كنت أتابع ردود أفعال باردو، من قبل المسئولين وغير المسئولين التوانسة، وجدتها متيقنة أن الإرهاب قادم من ليبيا، وليس من الجزائر مثلا، رغم أنهما بلدان نفطيان ويعشش فيهما الإرهاب أكثر من الهم على القلب!.

هذا الاستبعاد ناتج أن المهمة الرئيسة الآن استبعاد العقل، وتنميط الشعوب، وسيطرة البعد الوحد لكل مسألة

هذا الاستبعاد ناتج أن المهمة الرئيسة الآن استبعاد العقل، وتنميط الشعوب، وسيطرة البعد الوحد لكل مسألة، فإن درست البعد الخارجي لمسألة ما فأنت تُتهم بالانضواء لنظرية المؤامرة، والمسألة الداخلية دائما ذات وجه واحد ودراستها تستدعى بعدا واحدا كما يفعلون: هكذا فالمجتمع الليبي مجتمع قبلي بدائي، وليس كالجارة التونسية التي تعتمد على جيوب الآخرين في تنمية البلاد وإدارة شئونها، لهذا تنتج ليبيا الإرهاب ما يطال تونس. لكن السؤال الملح الآن ما هو الإرهاب وما هو ليس بالإرهاب، وما هي أسبابه وما هي دوافعه؟، نحن جميعا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وقعنا رهينة لما يسمى بالإرهاب الإسلامي، والمشكل أنه إرهاب أسود وأعمى وكما نبتة شيطانية، وأن مواجهته ستطول كما يخبرنا مسئولو السعودية والإدارة الامريكية اللذان تزعما تحالفا دوليا لغرض محاربة هذا الإرهاب. وإننا لا نعرف كيف انبثق؟ ومن يدعمه؟ وكيف يتنفس؟، ولماذا تحالف دولي بقيادة أكبر دولة في تاريخ البشرية يعجز عن إزالة قوى صغيرة، ويعجز عن تجفيف منابع تموينها، بل على العكس كلما زادت الولايات المتحدة من إعلانها الحرب على هذا الإرهاب كلما توالى انتشاره من أفغانستان حتى بوكو حرام، وهكذا دولة الإسلام داعش تتمدد بقدر ما وجهت به من مقاومة دولية.

باردو رسالة موجهة للجميع أن للإرهاب اليد الطولي وأن ليس لنا من حيلة لتجنبه، إنه وباء يرتعُ في رقعتنا من الأرض منذ سقوط الاتحاد السوفيتي ترعاه قوى خفية وخارقة فهو لا أب له ولا أم، وظاهرة ميتافيزيقية ليس للعقل البشرى غير التسليم بها أو رفضها، فلا حول ولا قوة الا بالله لباردو القادم.