Atwasat

غبار الجيل الرابع

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 18 مارس 2015, 10:07 صباحا
محمد عقيلة العمامي

للغبارمشاركة كبيرة في تجميل العالم! لولاه ما كانت غيوم، ولا مطر، ولا أطياف متعددة الألوان! فلتتكون غيمة ينبغي أن يكون ثمة نواة ليتكاثف حولها بخار الماء.. والنواة تتخلق من غبار متناهي الصغر: قد يكون مجرد"ميكرون" وهو جزء من ألف من الملميتر! قد يتخلق من سقوط قطعة نقدية، أو من إشعال عود ثقاب، من تصفح كتاب، من تكسر موجة، من احتراق وقود، أو من انفجار قنبلة؛ فجزيئات غبار قنابل الحرب العالمية الأولى مازال يجوب الفضاء، وتستمر هذه الجزيئات الموغلة في الصغر تطوف حول العالم، تخللها أشعة الشمس فتلون السماء، في الشفق والغسق، فيناجي الشعراء شمس الأصيل!

خطرت على بالي هذه المعلومات خلال ندوة حول الحوار الوطني أقيمت بنادي الجالية الليبية مؤخرا، وعندما رأيت الأستاذ مصطفى بن صويد، أحد رموز الجيل الذي سبق جيلي بأعوام قليلة؛ إنه الشقيق الأكبر للاعب كرة القدم الشهير أحمد بن صويد، وأنا أعرف جيدا والده المرحوم سالم بن صويد فقد كان مختار محلتنا لسنوات طويلة، وكثيرا ما ذهبت إليه لتوثيق شهادة أو لتوصية ما، فقد كان خلوقا ودودا تحف به أينما حل هالة من البهاء والاحترام. الأستاذ مصطفى اعتاد أن يضع قناعا طبيا وهو يجوب شوارع القاهرة تفاديا للتلوث البيئي المتزايد الناتج من عوادم احتراق وقود السيارات المتهالكة.

لقد عشق مصر منذ أن وصلها في ستينيات القرن الماضي، طالبا، ثم موظفا بجامعة الدول العربية ولم يتركها إلاّ لفترة قصيرة عندما نُقلت جامعة الدول العربية إلى تونس

لقد عشق مصر منذ أن وصلها في ستينيات القرن الماضي، طالبا، ثم موظفا بجامعة الدول العربية ولم يتركها إلاّ لفترة قصيرة عندما نُقلت جامعة الدول العربية إلى تونس، إلى أن عادت ثانية إلى مكانها الطبيعي. ظل الأستاذ مصطفي معارضا، صامتا، فعالا، قام بالكثير من الأعمال الخيرية والوطنية، التي خدمت ليبيا، وكذلك مصر، في صمت وتواضع، والعجيب أنه ولهذا التاريخ لم يعد إلى بنغازي موقع رأسه على الرغم من حنينه العارم إليها! أخبرني، بعدما سألته عن تأجيل هذه العودة، فقال:"لا أريد لحالة التآخي التي حملتها في قلبي منذ خروجي منها أن تتغير! صحيح أن القاهرة عشقي المتجدد، ولن يفسده هذا الغبار الأسود، الذي لم نكن نعرفه في ستينيات القرن الماضي!! ".

في تلك الندوة قال لي الأستاذ مصطفى:" الحوار هو فقط الصوت الذي ينبغي له أن يعلو في ليبيا.. ولا ينبغي أن تحترموا كل من يريد - حتى الخير لليبيا – عبر السلاح! ثم عليكم أنتم المثقفين أن تفسروا للناس ما يحاك من مؤامرات لا تريد الخير للبلاد..." وتحدثنا عن شارع العقيب، والحشر و(بيساكاني)، ودكان التركي ونادي النجمة.. وشارع عمرو بن العاص وقهوة سي عقيله، وعثمان الخطاط .. وتركني- كعادته- بمجرد أن كثر المتحلقون حولنا. وانتهت الندوة، وقبيل مغادرتي أمسك بمرفقي وقال لي:" ينبغي أن يعرف الناس ماذا تعني نظرية حروب الجيل الرابع! أتعرفها؟" أجبته كطاووس غبي:"نعم!" وأنا في الحقيقة لا أعرف عنها سوى أنها مصطلح كثر تداوله مؤخرا!.

يوم، أو اثنان بعد تلك الندوة، وفيما كنت أطالع موضوعا عن داعش ورد مصطلح حروب الجيل الرابع.. ولم يعد تأجيل معرفة معناه يحتمل التأجيل! وجدت الكثير عن نظرية"حروب الجيل الرابع"؛ منه أن الخبير العسكري الأمريكي"أنطونيو إتشيفاريا" هو من ابتدعها وخلاصتها: أن أساسها هو خلق حركات تمرد تقوم بها مجموعات غير نظامية مستخدمة كل ما يتوفر لديها من وسائل تكنولوجية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، عسكرية تهدف إلى تحطيم قوة الدولة حتى تفشل وتنهار تماما، معتمدة في مخططها على وسائل الإعلام التي تضخم وتبرز صرامتها، وعنفها! وتذكرت ما حدث في الصومال؟ وانتبهت لما يحدث الآن، في العراق والشام، واليمن وبالطبع ليبيا؟ أليس ما يحدث هو ما تقوم به، على نحو واضح، إمبراطورية العصر الحديث؟ من خلق الفتن، ثم إشعال الحروب، ثم تأجيجها بمختلف الوسائل، خصوصا الإعلامية. أليس هذا تطبيقا لهذه النظرية؟ إنهم، للأسف الشديد، يستخدمون،الآن، الدين لتنفيذ مخططاتهم..التي صارت واضحة بعد أحداث 11 سبتمبر2001م ؟ ولقد عَلتْ الأصوات التي تحذر منها، حتى أن السيد رئيس جمهورية مصر العربية أشار إليها، وحذر منها رسميا في لقائه مع الإعلاميين يوم 11/12/2014م..

وعلى الرغم من حيرتي الشديدة وقناعتي أن ما أوصلنا إلى هذا الحال هو القمع المبرمج الذي مورس على الشعوب المقهورة، فانفجرت ثورات الربيع العربي؛ فمن كانت لدولته بنية تحتية قوية وجيش حقيقي ونسيج اجتماعي" ديني" متجانس اجتاز الأزمة؟ أما من كانت دولته لا تملك من مقومات الدولة إلاّ(الستر)، كالحالة الليبية، فقد انزلقت في فوضى عارمة! وكيفما يتفق، فإن فزاعة الدين، التي تستخدم في حروب الجيل الربع، أفرزت نتائج عكسية بدأت تتبرعم، فلقد بدأت الأصوات المسيحية تقرع نواقيس كنائسها، معلنة أن الإسلام بدأ ينتشر في أوربا على حساب المسيحية! فهل السحر عاد على الساحر؟ وهل سيختفي هذا الغبار الأسود؟