Atwasat

مطرقة «داعش» وسندان «الشيعة»!

حمدي الحسيني السبت 14 مارس 2015, 12:09 مساء
حمدي الحسيني

جمعني -مع فريق من الصحفيين المصريين- لقاء مهمٌّ بالقيادي الإيراني الدكتور علي أكبر ولايتي في طهران صيف العام 2012.

حينها دار نقاشٌ مفتوحٌ بيننا، تطرَّقنا خلاله إلى قضايا عدة، من أهمها الدور الإيراني في سورية.. يومها سألته: هل ترضى ضمائركم عما يجري من دمار للحجر والبشر في سورية؟ ولماذا تصرون على دعم حاكم قاتل لشعبه بهذه الطريقة الوحشية؟

جاء رد ولايتي صادمًا عندما استخف بكل ما جرى من مذابح وخراب، قال: «لا تصدقوا صور المجازر التي تبثُّها الفضائيات المغرضة، فهي مجرد فبركة لا أكثر»، مؤكدًا أنَّ إيران لن تتخلى عن الأسد مهما كانت التضحيات، «فقد أنفقنا كثيرًا من الثروات على نظام بشار، ولن نخسر ما قدَّمناه من تضحيات وأموال على مدى ربع قرن بسهولة»!!

حلم إيران الامبراطوري يتطوَّر بسرعة مذهلة بعد أن نجحوا في استثمار انتكاسات الربيع العربي

دارت الأيام.. وتحققت «نبوءة»، ولايتي ولم تخرج إيران من سورية رغم خسائرها البشرية واستنزافها الاقتصادي اليومي، لكن الجديد أنَّ النفوذ الإيراني لم يتوقَّف عند التغلغل في جسد العراق وقلب سورية ومن قبل أحشاء لبنان، بل تمدَّد وكسب مساحات جديدة كانت حلمًا بعيد المنال بالنسبة لقادتها.. أقصد وجودهم الطاغي حاليًّا في اليمن عبر البوابة الحوثية.

فلم تكتف إيران بما فعلته في أرض الرافدين من عربدة وتقطيع وانتقام وتعميق للطائفية اللعينة، فقد شرعت تمد أذرعها في اليمن وغيره حتى أصبح العرب محاصَرين بين مطرقة «داعش» وسندان الشيعة!!

لست من أنصار النفخ في نار الطائفية، وأؤمن بأنَّ المسلمين «شيعة وسنَّـة» جسدٌ واحدٌ، لكنّي أتصوَّر أيضًا أنَّ ظهور «داعش» وتحالفه مع سنَّـة العراق وسورية، كان نتيجة طبيعية للتوغل الشيعي والطموح الإيراني الجامح في الإقليم.

إنَّ حلم إيران الإمبراطوري يتطوَّر بسرعة مذهلة، بعد أنْ نجحوا في استثمار انتكاسات الربيع العربي، وسارعت إيران في توظيف التناقضات كافة التي ترتبت على ما أصاب قطاعات عربية عريضة من إحباطات وتبديد لأحلام الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ودخلت على الخط بغرض الصيد في الماء العكر للاستفادة من هذه الأجواء لتعميق نفوذها في مناطق سـنِّـيَّـة جديدة ظلت عصية على الشيعة عقودًا طويلة.

لا شك أنَّ الثورات المضادة التي أطاحت بحلم التغيير الديمقراطي المنشود في المنطقة العربية، خلفت وراءها نتائج كارثية أولاها: فتح الطريق أمام الإيرانيين للتسلل إلى كثير من الدول العربية من دون استئذان كما يحدث في مصر ودول المغرب العربي، إلى جانب تجاوبهم الفوري مع طلب الاستدعاء من بعض القوى المحلية، كما حدث مع الحوثيين في اليمن.

أما النتيجة الثانية الأكثر خطورة هي ظهور «داعش» كوعاء يمكن أنْ يستوعب طموح الشباب المُحبَط واليائس من إمكانية التغيير بالطرق السلمية، ليستيقظ العرب على كابوسين كليهما شديد الخطورة على مستقبلهم!!

اليوم.. إيران تحاصر السعودية، خصمها التقليدي في الجزيرة العربية، فهي موجودة بقوة على حدودها الشمالية في العراق وعلى حدودها الجنوبية بقوة أيضًا في اليمن، إلى جانب أطماعها المعروفة في البحرين، فضلاً عن مغازلتها النظام السوداني من حين إلى آخر!.

أثناء وجودي في طهران قرَّرت الاحتكاك بالمواطنين، وعلى مقهى في شمال طهران دخلت في حوار عابر مع سيدة أعمال إيرانية تتردَّد بشكل دائم على إحدى الدول الخليجية، وعندما تحدَّثنا عن علاقة إيران بدول الخليج فوجئت بها تقول: «لا رحم الله الشاه، فهو الذي تخلى عن هذه الإمارات التي كان ينبغي أنْ تبقى تابعة لإيران»!.

لم تكتف إيران بما فعلته في أرض الرافدين بل شرعت تمد أذرعها في اليمن وغيره حتى أصبح العرب محاصرين بين مطرقة «داعش» وسندان «الشيعة»!

لو تأملنا رأى الدكتور ولايتي وكلام سيدة المقهى، نكتشف أنَّها تخفي في طياتها نوايا إيران الرسمية والشعبية تجاه العرب عمومًا ودول الخليج بشكل خاص.

إذن.. ما الحل؟

أتصوَّر أنَّ الحل يبدأ باعتراف إيران بأنَّ بصماتها الطائفية وإصرارها على تبعية حكومات بغداد لطهران، كان خطأ فادحًا، إلى جانب ضرورة مراجعة دورها في كل من سورية ولبنان ألف مرة بعد أنْ أدى حضورها المكثَّف في البلدين إلى قتل روح التسامح التي كانت شائعة عند أهل الشام واستبدالها بروح عنصرية بغيضة، مما أصبغ الصراع في هذه المنطقة بلون الدم القاني.. هنا يمكن تدارك ما حدث من أخطاء وترميم العلاقة الهشَّة بين الشيعة والسُّـنَّـة.

أما إذا عاندت إيران ومضت في تمدُّدها المستفِـز في دول عربية تعاني أزمات طارئة، فإنَّ لحظة الحساب ستكون قاسية وحين تتفجر براكين الغضب السُّـنِّـيَّة في وجهها وبدلاً عن أنْ يتفرغ المسلمون لمواجهة الخطر الخارجي سيدخلون في دوامة من الكراهية والحروب الطائفية التي لا تبقي ولا تذر!