Atwasat

حفتر أم هتلر؟!

إدريس بن الطيب الأحد 08 فبراير 2015, 11:25 صباحا
إدريس بن الطيب

كتبت مقالاً يوم 22 مايو 2014 بعنوان (الخطر الداهم والخطر المحتمل)، وهو مقال يتعلق- باختصار- بمسألة التخوف من النوايا الانقلابية للواء خليفة حفتر وهو يواجه الخطر الداهم من المجموعات الإرهابية في بنغازي.

وقد أوضحت في المقال السابق دوافع أصحاب ذلك المنطق التي تؤدي– بكل سهولة – إلى الدفاع عن الإرهابيين وتجريم البندقية التي تقاتلهم.

وسأقتطع لكم جزءًا من ذلك المقال يتعلق بتفسير تلك الحالة التبريرية التي قام بها مناصرو الإرهاب في مواجهة عملية الكرامة.

(ولا يمكن الاختلاف على أنَّ أزمة انفجار عملية الكرامة في مدينة بنغازي كانت حصادًا طبيعيًا (لزرع) المؤتمر والحكومة، أولئك الذين لم يقوموا بأبسط مهامهم في حماية المواطنين من عنف الإرهاب، حتى أصبح خبر الاغتيال والتفجير لا يحرك في الناس أي رد فعل، ولا تسمع- بعد تبلد التكرار- سوى صرخات من يكتوون بناره مستجيرين بدولة لا وجود لها! وكان لا بد أنْ يدافع الضحايا عن أنفسهم! كان لا بد لمن كان ينتظر سكينًا يحزّ عنقه، أنْ يغامر بالدخول في معركة ضد العدو، مهما كانت نسب كسبها ضئيلة، إنَّ الدفاع هنا هو مجرد تمسك (باحتمال) البقاء على قيد الحياة، وما عداها موت محقق! وهذا الوضع اليائس هو- تاريخيًا- من أشهر الأوضاع التي أدَّت إلى كسب المعارك، ولنا في معركتنا مع القذافي خير دليل، فالشباب الذين قتلوه، كانوا جازمين أنّه سيقتلهم إن لم يفعلوا!.

لقد كان الخوف منه هو أحد أهم العوامل التي كانت تضخّ فيهم شجاعة منقطعة النظير! ولذلك فإنَّ أعداء الضحايا لا يملكون- مرة أخرى- إلا اللجوء إلى جرعة أعلى من التضليل! إنهم يحاولون حرف انتباههم عن الخطر الداهم إلى الخطر المحتمل، وبذلك تصبح (نوايا) السيد حفتر الانقلابية هي محور الحديث، بدلاً من بندقيته التي انتصرت للضحايا، الذين لم تنتصر لهم حكومتهم، تلك التي تستلم مرتباتها من أموالهم باعتبارها خادمة لهم، وتصبح كل المآسي التي وقعت في ليبيا خلال الاثنين والأربعين سنة كلها في عنق القذافي ونظامه، باستثناء حرب تشاد، فهي في عنق صاحب البندقية المدافعة عن الضحايا، أي خليفة حفتر! دون أن يتساءل أحد، ما الذي تستفيده مدينة مرتهنة تمامًا لتنظيمات تقتل وتذبح وتخطف، من جرد حساب قديم كهذا، وهو المنطق الذي يدعوك إلى رفض إنقاذك على يد أحد يحمّله البعض- صدقًا أو كذبًا- وزر أحداث تاريخية مضت عليها ثلاثة عقود أو أكثر!.

السؤال: من المستفيد من مثل هذا المنطق؟ وهو المنطق الذي لا يهدف - كما هو واضح - إلا إلى إيقاف عملية الإنقاذ، وإبقاء وضع السيطرة على المدينة على ما هو عليه من قبل! وأقول لأصحاب هذا المنطق: لكي يستطيع الشعب محاكمة أي أحد على ما فعل - سواء من ثلاثين سنة أو من ثلاث سنوات - عليه أن ينقذ رقبته من سكين التشكيلات المسلحة! عليه أن يبقى حيًا! لكن من ارتكب جرائم خلال الثلاث سنوات، هم بالذات من يريدنا أن نتجاهلها، بالتركيز على أحداث الثلاثين سنة! فتّش عن المستفيد! أما الحديث عن الشرعية من عدمها، فلن أزيد على القول، إن الحكومة (الشرعية) تتّهم من يقاتل تحت علمها مدافعًا عنها باللاشرعي، وهو يقاتل قوة ترفع علمًا آخر غير علمها، ولا تعترف بها من الأساس! أحيانًا يصبح منطق التضليل أعمى أيضًا، ولا يرى أنه قد أصبح أضحوكة، في زمن لا شيء فيه قد أصبح يدعو إلى الضحك!)

إذا أراد اللواء خليفة حفتر أن يحكم ليبيا - معتمدًا على حب الشعب له، فعليه أنْ يخلع بدلته العسكرية ويستقيل من الجيش

غير أنني اليوم أشعر أنَّ من واجبي أيضًا أنْ أشير إلى أن الخطر المحتمل قد أصبح يقترب من مرحلة الخطر الداهم، فالتباعد بين مواقف المؤسسات الشرعية، وهي مجلس النواب والحكومة، وبين قيادة عملية الكرامة قد ازداد في الآونة الأخيرة بسبب محاولات قيادة عملية الكرامة التباعد عن التواؤم مع موقف الحكومة والبرلمان اللذين يشكلان وحدهما - دون غيرهما - غطاءً شرعيًا لعملية محاربة الإرهاب؛ وذلك بعد اعتراف الحكومة بالعملية واعتبارها من ضمن فعاليات الجيش الوطني بقيادة رئاسة الأركان.

لكن ما يجري هذه الأيام - وخصوصًا بعد إلغاء قانون العزل السياسي- يُثير الكثير من القلق، خاصة وأنه يأتي مصحوبًا بحملات إعلامية من قنوات بعينها تعمل - لا على تحشيد الدعم لخليفة حفتر باعتباره المنقذ والمخلص فحسب - وإنما على إدانة الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب والبرلمان نفسه ووصف حكومته بالعميلة، والدعوة إلى إسقاطها لصالح ما يسمونه (المجلس"الأعلى" للقوات المسلحة)، وهو توجه خطير سيؤدي - بالتدريج إلى إلغاء مجلس النواب بخلق مجلس "أعلى" منه، وبالتالى دفن العملية الديمقراطية تمامًا، مستغلين تذمر المواطنين من الحكومة وعجزها عن أداء وظيفتها بالشكل الأمثل بسبب الظروف المالية والأمنية التي تحيط بها.

إننا لا نعلم شيئًا أعلى من البرلمان المجسّد لإرادة الليبيين عبر صناديق الاقتراع إلا الله وحده، رغم أن لدينا ما نقول فى سوء أدائه، وبالتالى فإنَّ أية محاولة لاستخدام الهتافات وتحشيد القبائل ورفع اللافتات واستخدام (الجماهير) لرفع صور المنقذ هو (فيلم) قد دخلناه من قبل، وليس لدينا أية رغبة في الدخول إليه مرة أخرى!
التقدير والاحترام والإجلال لضباط وضباط صف وجنود وشباب عملية الكرامة بقيادة اللواء خليفة حفتر واجب علينا دون شك، فهم - جميعًا - من يقدمون أرواحهم دفاعًا عنا ضد الإرهاب، وهم - جميعًا - من يجب أن يقف المجتمع والدولة والبرلمان في صفهم، ويتلمس احتياجاتهم ويقدم لهم كل أشكال العون.

ولكن، لأنَّ الليبيين دخلوا يوم 7-7-2012 طريقًا لا عودة عنه وهو طريق الانتخابات، فإنَّ حكم ليبيا له طريق واحد فقط لا غير، المرور عبر صندوق الاقتراع، الذي هو جوهر العملية الديمقراطية التي تُظهر رغبة الليبيين في من يحكمهم! ولا يمكن استبداله - تحت أي ظرف كان - بأية مجالس عسكرية أو مدنية أو قبلية!

وإذا أراد اللواء خليفة حفتر أنْ يحكم ليبيا - معتمدًا على حب الشعب له، كما قال في مقابلته مع «بي بي سي» - فعليه أن يخلع بدلته العسكرية ويستقيل من الجيش، ويذهب إلى مفوضية الانتخابات ليسجِّل نفسه - في حال انطباق القانون عليه - كمرشح مثله مثل أي مرشح، وإذا صوّت له الليبيون كرئيس لهم، فأنا أول من سوف يتوجّه إليه بالتهنئة!
ماعدا ذلك فهو انقلاب بألوانه الفاقعة!