Atwasat

قول عاشت فبراير..

سعاد سالم الخميس 05 فبراير 2015, 10:29 صباحا
سعاد سالم

لماذا من الصعب القضاء على الإرهاب؟ أسألك أنت أيها المواطن الليبي.. وريثما تفكر سأخبرك: لأنه مرتبط بالفساد الفاحش.. والمتفشي.. المتورطون فيه أكثر مما يظن أي متشائم مثلي، ناهيك عن متفائل مثلك.. فللإرهاب بنية تحتية متينة أسستها الديكتاتورية الاجتماعية والسياسية بإخلاص، وحينما أقول «فساد» أعني به تغير معايير المجتمع وردود فعله تجاه اهتراء حافظة القيم المتعارف عليها، والتي تصيغها العائلة والمدرسة وباقي أطراف المحيط، وتتجلى في مستوى أعلى في العلاقات بين الناس بعضها ببعض وبين الناس من جهة والدولة وقوانينها من جهة أخرى.

وما ترسب وتكرس يمكن معرفته لو كل واحد منا تذكر متى باتت سرقة المال العام سعة حيلة ونباهة، وحولت السارق من مجرم إلى خانة (خدم على راسه)؟ ومتى صار الغش في الامتحانات يقوده أولياء الأمور من تحت نوافذ قاعات الامتحانات صحبة أطقم التدريس المتحمسة دون أن يصدم هذا أحدًا؟.. فضلاً عن الشهادات العليا ماجستير ودكتوراة في سوقها شبه المعلن؟ متى أصبحت الواسطة والمحسوبية وتقديم الرشاوى وجاهة؟ حدث هذا منذ وقت بعيد وظلَّ يحدث بتواتر دون أن يخز ضمير الذين ادعوا أنهم أسقطوا القذافي ليعلنوا دولة القانون.

لن أتحدث عن تفاصيل الفساد الصغيرة والبين بين؛ لأنها غدت تمارس بخسة أكبر.. لكنك ترجمتها كسلوك حينما صرت تخاف من جارك وأخيك وقريبك ومن معلمة أولادك، وأن الذل الممنهج، وهو أفضل بيئة يعشش فيها الفساد، غدوت زبونه المخلص وأنت ترى للعقد الخامس حاجاتك البديهية مرتبطة بشروط تشابه السخرة.. ولازلت داخل منظومة تحرمك من تكافؤ الفرص.

تواجه بمرتبك الهزيل متطلبات الحياة الضرورية، وغيرك يعيش بفندق اسمه الدولة الليبية (خدمات كاملة مجانية) مع أن دخلكما من مصدر واحد هو النفط الذي جعله الفساد يرى بعين واحدة، عين السلطة التي تبسط الرزق له وتقدّره عليك والتمييز يستمر.. ما الذي يمكنها أن تغيره فبراير؟ فالمجتمع كان فاسدًا أيضًا، ذهب النظام السياسي وبقي النظام الاجتماعي يستكمل ما اعتاد القيام به من أصغر مظاهر الفساد وصولاً إلى ما يمكن تصنيفه بجرائم على أنواعها (اقتصادية، وحرب ضد الإنسانية)، وانخراط الناس في الفساد حسب وجهة نظري لأن الدولة الفاسدة خلال الستة وأربعين عامًا ظلت (واقفة) والناس دائمًا (مع الواقف)، وثمة من يحرص على هيكل الدولة الفاسدة بطريقتي المحاصصات بكل أنواعها وتداعياتها وتسمياتها، أو بالحرب بجميع مبرراتها.. لكن الفساد، عزيزي المواطن، مهما كان صغيرًا كما تظن، فما بالك وهو مصروف عليه، لا بد من أن يدفّعنا الثمن.. وهو ما يجعل أي دكتاتور يتنبأ بمستقبل البنية التحتية الجيدة للفساد الذي صنعه بتمعن ومتعة الديكتاتور القديم (سوف تندمون)، أو الجدد (الهاوية).

ما الذي يمكنها أن تغيره فبراير؟ فالمجتمع كان فاسدًا أيضًا، ذهب النظام السياسي وبقي النظام الاجتماعي يستكمل ما اعتاد القيام به من أصغر مظاهر الفساد وصولاً إلى ما يمكن تصنيفه بجرائم

وأعنيك هنا إن كنت من أتباع السلفية السياسية (جماعة الحنين لعصر الجماهير)، أو الدينية (جماعة دولة الخلافة)، أو التاريخ (جماعة الولايات).. ومسئوليتك عن الحضيض الذي ينحدر إليه المستقبل قبل الحاضر.. لماذا أنت مسئول؟ لأنه وعلى مدار الأربع سنوات الأخيرة كم واحد من الذين تحمسوا لتغيير السروج قال إن الفساد أكمل دورته بمنح الأموال للمقاتلين وبدفع الأغلبية الشابة للانضمام إلى الميليشيات تحت مسميات وطنية كاذبة، والجميع يعرف أنها مؤدلجة ومهمتها تكوين جيوش بأمراء علنيين.. وكم واحد قال حينما قتل القذافي وولده وهم أسرى.

هذه أول سقطة في الطريق لدولة العدالة، وكم منكم قال إن معرض الجثث بداية الانحطاط الإنساني، وإن تهجير مدينة بداية النفق.. ومن وصف قطع أصابع سيف بأنه تفصيل خسيس ولا يطمئن، وإن السجون التي تقام فيها حفلات التعذيب بداية النهاية للدولة الحلم، ومن قال إنه ليس كل من كانوا في السجن مظاليم.. كم واحد؟ أكيد أقلية جدًا.

لهذا ما استطاعت تغيير شيء، بل جعلتهم يدفعون الثمن واحدًا واحدًا بخلق المبررات لقتلتهم أو لخاطفيهم أو لمهدديهم أو بصمتك.. الناس الفاسدون كثر جدًا، ولأنه ليس من مصلحة أحد من المتورطين في الفساد بقديمه وجديده قيام دولة وتعافي القضاء.. ها أنت بهذا النموذج الذي صغته منذ وقت طويل تجعلها بلادًا مواتية للإرهاب من أنصار الشريعة إلى داعش، مرورًا بكل المنضوين تحت رايتهما أو المتحالفين معهما من أصحاب أيدلوجيا وأصحاب قضايا جنائية، ناهيك عن أصحاب الهوى الجهوي والقبلي وجميعهم بكامل عدتهم وعتادهم من أفكار وميليشيات.

أنت.. الناس.. الشعب.. الطرف الوحيد الذي كان بإمكانه إدارة دفة الحياة لو لم يكن متورطًا في قتل الحلم ببلاد قانون ستزج بأغلبه في السجون.. هل فات الأوان؟ من يدري؟ شخصيًا مازلت أؤمن بالمعجزات، والتي على رأسها إرادة التغيير.. ثاني المعجزات شجاعة تحمل مسئولية الخطأ.