Atwasat

الحسبة

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 28 يناير 2015, 12:25 مساء
محمد عقيلة العمامي

الحسبة من محتسب وحسيب، والحق تعالى يقول في سورة النساء: «وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا [النساء:4]» والمحتسب اسم فاعل. والحسبة في الحضارة والفكر الإسلاميين، هي ولاية من الولايات الشرعية الكبرى، كإدارة القضاء مثلاً، وقد عرفها الفقهاء بأنها: «الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله» ولعل نص الماوردي (الأحكام السلطانية) المخطوط في القرن الخامس الهجري يكون أقدم نصٍ مفصلٍ عن الحسبة.

التاريخ يخبرنا أنّ الصليبيين الذين غزوا الشرق العربي في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي أخذوا هذا المنصب بمسماه اللفظي نفسه (Mathessep ) واستخدموه في مملكة بيت المقدس

أعترف أني لم أكن أعرف، من قبل، شيئا عن الحسبة، التي خرج بعض من أبنائنا في طرابلس لتنفيذها، ولأنني متابع ومطالع إلى حد ما، لما يحدث في بلادي، ناهيك عن أن عديدين سألوني عن هذه الحسبة، فرأيت أن ألخص ما أستطيعه عنها وأضعه بين أيديكم، خصوصا عندما عرفت أن الحسبة الشرعية هي من دون شك، مبدأ إسلامي نبيل: فهي الإشراف المباشر على مناحي حياة الناس، ولعل الإشراف المباشر على الأسواق من مراقبة موازينه ومكاييله، وكشف الغش والتدليس، والصحة العامة، وتنظيم الأسواق لمصلحة الناس هي من أهم وظائف (المحتسب) وهو المكلف بهذا العمل، الذي يتعين أن تتوفر فيه قناعات، ومبادئ، لخصها شيخ الإسلام ابن تميمة بقوله: «العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده» وذلك يعني أن يكون (المحتسب) نزيها متفقها في الدين، يتوافق حزمه مع لينه، ورفقه مع صبره. ولا أعتقد أن هناك من يخالفني الرأي بأن هذه الأسس هي المعيار الذي تراعيه أية دولة تريد لمجتمعها الخير والصلاح.

وظيفة المحتسب، إذن، هي وظيفة الحرس البلدي تماما، التي كان البعض ينسبها إلى حكومة إيطاليا، التي أسمت المحتسب ( Guardia Municipale (ومنها حرفنا، في ليبيا ، كلمة Guardia إلى( ورديه).

الإسلام سبق الغرب في ابتكار هذه الوظيفة الخطيرة والحساسة والمهمة. والتاريخ يخبرنا: «أن الصليبيين الذين غزوا الشرق العربي في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي ... أخذوا هذا المنصب بمسماه اللفظي نفسه (Mathessep ) واستخدموه في مملكة بيت المقدس».

الإسلام، إذن، سبق الغرب في ابتكار هذه الوظيفة الخطيرة والحساسة والمهمة للغاية، ووضع لها شروطها ومعاييرها، وهي من دون شك وظيفة يحتاجها مجتمعنا بالفعل؛ ولكن السؤال المهم والخطير هو: هل الذين توكلوا على الله وانطلقوا في أسواق طرابلس تتوفر فيهم مواصفات ومؤهلات المحتسب، التي اشترطها الدين الإسلامي السمح؟ إن توفرت فيهم هذه الاشتراطات فهي خير وبركة، وخطوة عملية جدا نحو استقرار وهناء البلاد والعباد.

أما إن لم تتوفر وكانت المؤهلات (كلاشنكوف وسكين حاد) فتلك مصيبة من دون شك، لأن الحسبة نظام إسلامي عريق مهمته، كما قلنا، الإشراف على الحياة العامة للرعية، وهي سلطة قضائية سريعة الحكم وقرارها يشترط أن يكون الحد في تنفيذ العقوبة بقدر الجرم ومشروطة بالحياة المدنية التي تعددت كثيرا في مناحيها.. ومن منا لا يعرف أن الإسلام دولة مدنية؟ ومن المسلم الذي لا يعرف أن ديننا نظمها كاملة متكاملة؟ فليراعِ (محتسبنا) الله فينا، فلقد عانينا قدرًا هائلاً من الغبن وآن الأوان أن نهنأ مثل بقية خلق الذين لم يعاقبهم الله بما فعل السفهاء فيهم. أمين يارب العالمين.