Atwasat

الأجندة السياسية للتجديف

فريد زكريا الثلاثاء 13 يناير 2015, 03:55 مساء
فريد زكريا

أثناء تنفيذهم عمليتهم الإرهابية، كان الرجال الذين قتلوا 12 شخصًا في باريس، يوم الأربعاء، يصرخون أنهم فعلوا ذلك «انتقامًا للنبي». لقد ساروا في ذلك على درب الإرهابيين الآخرين الذين فجّروا مكاتب صحفية وطعنوا مُخرجًا وقتلوا كُتَّابًا ومترجمين اعتقادًا منهم بأنهم يطبقون العقاب القرآني المناسب على اتهام الإساءة للإسلام. لكن في الحقيقة، لا يحدد القرآن عقوبة على ذلك. ومثل كثير من الجوانب الأكثر تعصبًا وعنفًا للإرهاب الإسلامي اليوم، فإن فكرة أن الإسلام يواجه الإساءة للنبي محمد بالعنف قد ابتدعها السياسيون ورجال الدين لخدمة أجندة سياسية.

هناك كتاب مقدس واحد يُعنى بعمق بمسألة التجديف (الإساءة للدين والمقدسات)، وهو الكتاب المقدس، ففي العهد القديم، يتم إدانة التجديف والمجدِّفين ويتم فرض عقوبة قاسية عليهم. وأشهر دليل معروف هو ما ورد في سفر لاويين: (وَمَنْ جَدَّفَ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ.. يَرْجُمُهُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ رَجْمًا. الْغَرِيبُ كَالْوَطَنِيِّ عِنْدَمَا يُجَدِّفُ عَلَى الاسْمِ يُقْتَلُ.) [لا 14 : 16].

على النقيض تمامًا، فإن كلمة «التجديف» لم ترد في القرآن، (كما أن القرآن لم يحرم تصوير النبي محمد، على الرغم من وجود أحاديث تنص على تحريم التصوير من أجل تجنب عبادة الأوثان). وقد أشار الباحث الإسلامي مولانا وحيد الدين خان إلى «وجود أكثر من 200 آية في القرآن تكشف عن أن من عاصروا الأنبياء فعلوا الأمر نفسه، وهو ما يسمى الآن بـ«التجديف أو الإساءة للنبي». لكن لم يرد بالقرآن عقوبة سواء بالجلد أو الموت أو أي عقوبة جسدية أخرى على ذلك. وفي عدة مناسبات، عامل الرسول كل من سخر منه ومن تعاليمه بتفاهم ولطف. يقول خان: «في الإسلام، يعتبر التجديف موضوعًا للمناقشة الفكرية وليس للعقاب الجسدي».

لقد نسي شخص ما أن يذكر ذلك للإرهابيين. لكن الاعتقاد الشنيع والدموي الذي تبناه الجهاديون شائع للغاية في العالم الإسلامي، حتى بين من يُطلق عليهم المسلمين المعتدلين، وينطوي هذا الاعتقاد على أن التجديف والردّة جرائم ضد الإسلام ويجب أن يتم معاقبتها بشدة، بل إن بعض الدول ذات الأغلبية الإسلامية لديها قوانين ضد التجديف والردّة، وفي بعض الأماكن يتم تنفيذها.

تُعد باكستان الآن راعية عقوبة «التجديف»، أو ما يُطلق عليها «الإساءة للإسلام أو الرسول». ففي مارس، كان هناك 14 شخصًا على الأقل في انتظار حكم الإعدام، بينما كان 19 آخرون يقضون أحكامًا بالسجن مدى الحياة، وفقًا للجنة الأميركية للحرية الدينية. وحُكم على صاحب أكبر مجموعة إعلامية بالبلاد بالسجن 26 عامًا؛ لأن إحدى قنواته بثت أغنية تعبُّدية عن ابنة النبي محمد أثناء إذاعة حفل زفاف، (حدث بالفعل). وإلى جانب باكستان، هناك بنغلاديش وماليزيا ومصر وتركيا والسودان، حيث استخدمت هذه البلاد كلها قوانين الإساءة للدين لسجن البعض ومضايقة البعض الآخر. في إندونيسيا المعتدلة، تم اعتقال 120 شخصًا بتهمة الإساءة للإسلام منذ العام 2003. وتحظر المملكة العربية السعودية ممارسة أي دين آخر غير نسختها الخاصة من الإسلام الوهابي.

في باكستان قتل الجهاديون عشرات الأشخاص ممن اتهموهم بالردة، ومن ضمنهم السياسي سلمان تيسير الذي تجرّأ ووصف قانون الردة بأنه قانون أسود

إن الحالة الباكستانية غزيرة الدلالات لأن نسختها المتطرفة من قوانين مكافحة التجديف حديثة نسبيًا وتعد تعبيرًا عن منتج سياسي. لقد أراد محمد ضياء الحق، رئيس باكستان في أواخر السبعينات والثمانينات، تهميش المعارضة الديمقراطية والليبرالية، واحتضن الأصوليين الإسلاميين، مهما كان تطرفهم. واعتمد سلسلة من القوانين لأسلمة باكستان، بما في ذلك قانون يوصي بعقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة لإهانة النبي محمد بأي شكل من الأشكال.
وعندما تحاول الحكومات كسب ود المتعصبين، فإن هؤلاء المتعصبين يقومون بتنفيذ القوانين بأيديهم في نهاية المطاف. وفي باكستان قتل الجهاديون عشرات الأشخاص ممن اتهموهم بالردة، ومن ضمنهم السياسي سلمان تيسير الذي تجرّأ ووصف قانون الردة بأنه قانون أسود.

يجب علينا محاربة الإرهاب. لكن يجب علينا أيضًا محاربة مصدر المشكلة. فلا يجب أن يكتفي قادة المسلمين بإدانة الأشخاص الذين يقتلون من يعتبرونهم مسيئين إذا كانت حكوماتهم تؤيد فكرة معاقبة الإساءة في الوقت نفسه. لقد أعلنت لجنة الحريات الدينية الأميركية واللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة على حد سواء أن قوانين التجديف تنتهك حقوق الإنسان العالمية لأنها تنتهك حرية الرأي والتعبير. وهما على صواب في ذلك.

في الدول ذات الأغلبية المسلمة، لا يجرؤ أحد على مواجهة قوانين التجديف، وفي الدول الغربية، لا أحد يتحدى المتحالفين في هذه القضايا. لكن التجديف ليس مسألة داخلية بحتة تخص فقط من يشعرون بالقلق من الشؤون الداخلية للدول، وإنما يقف الآن في مفترق طرق دموي بين الإسلاميين المتطرفين والمجتمعات الغربية. ولم يعد من الممكن تجنب الأمر. ويجب على السياسيين الغربيين والقادة والمفكرين الإسلاميين في كل مكان أن يوضحوا أن التجديف أمر غير موجود في القرآن ولا يجب أن يتواجد في العالم المعاصر.


(خدمة واشنطن بوست)