Atwasat

حسرات ما قبل الرحيل

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 17 ديسمبر 2014, 02:08 مساء
محمد عقيلة العمامي

بعد أن تجاوز الكاتب الإيرلندي الساخر (برنارد شو) عقده السابع، حيّاه مناوش متحذلق، قائلاً: «تبدو- أيها الكاتب الكبير- أنك على ما يرام؟» فأجابه، كعادته، ساخرًا: «المرء في مثل سني، إما أن يكون على ما يرام، أو أن يكون ميتًا!».

يبدو أنَّ المتحذلق قصد، ضمنيًّا، أنَّ (على ما يرام) تعني أن (شو) سعيدٌ ولكن- في تقديري- أنَّ المرء حتى وإن كان مظهره يبرز فرحة أو بهجة، لا يعني أنَّه راضٍ على حياته، حتى وإن خُيِّل لنا أنَّه سعيدٌ بماله أو بنيه أو مكانته، أو شهرته، فثمة أشياء غاية في الغرابة والتعقيد في أعماق النفس البشرية، وهي ليست نمطية، وإنما تختلف من شخص لآخر.. تظل كجمر تحت الرماد تتوهج أحيانًا لسبب أو لآخر فتخلق ألمًا وحسرة!

مواقع التواصل الاجتماعي العربية -ومن قبلها الغربية- تتداول هذه الأيام مقالة كتبتها ممرضة أسترالية تدعى (بروني وير) في مدونتها فوصل عدد قرائها خمسة ملايين متابع، ثم صدرت في كتاب عنوانه:
The Top Five regrets before dying الحسرات الخمس هذه، التي اكتشفت الكاتبة الأسترالية أنَّها الأكثر إيلامًا قبل الرحيل عرفتها من خلال تمريضها لمرضى من كبار السن في مراحل حياتهم الأخيرة.

كانت تسألهم وكانوا يجيبونها بصدق وصراحة مبرزين أمورًا ندموا على عملها وأخرى لم يحققوها، وثالثة تقاعسوا عن تحقيقها! أعترف أنَّ إحدى هذه الحسرات تعتصرني- شخصيًّا- كل يوم، على الرغم أنني لست مريضًا، وأرفض أنني كبير السن، لأنني ببساطة لا أشعر إلاّ أنني ما زلت في عقدي الرابع رغم أني تجاوزته بثلاثة عقود فقط!

الكتاب يلخص أجوبة مَن سألتهم الكاتبة في خمس إجابات هي كالتالي:
• معظمهم أكد أنَّ حسرته تتلخص في أنَّه لم يعش لنفسه، وكما يريد، وإنما أفنى حياته كما يريدها الآخرون: مثلما تريد أسرته، ومثلما يريد أساتذته، ورهبان بلدته، ثم زوجته.. ومن بعدهم ذريته! فلم يحقق أحلامه وإنما تمركزت حياته لإرضاء الآخرين! صحيح أنَّهم قاموا بواجباتهم، ونالوا الرضا والمكافآت.. ولكنهم غفلوا عن تحقيق ذواتهم. فظلت الحسرة متأججة في أعماقهم، لم تطفئها نجاحات السنين.

• كثيرٌ منهم ندموا لأنَّهم بالغوا في الجهد، وفي الوقت، الذي منحوه لعملهم حتى أنَّهم نسوا رغباتهم وتحقيقها. يحكي أنَّ أحد صديقيْن، مقتدريْن، كان يتحايل على صديقه أن يرافقه لقضاء فريضة الحج، ولكن صديقه ظل يعتذر كل عام بسبب انشغاله في أعماله. جاءه بعد ظهر وسأله أن يرافقه لحاجة ما. أخذه إلى المقبرة.. وأشار إلى قبورها وقال له: «جميعهم رحلوا عنا ولم ينجزوا أعمالهم!» تواصل العمل، والتفاني فيه، يصل، أحيانًا، حد الإدمان، ويقف حائلاً بين المرء وبين تواصله مع أصدقائه وأهله وبالتالي يخلق حسرة عندما ينتبه أنه صار وحيدًا في وقت يحتاج فيه إلى رفقة تخفف عنه عذابات الوحدة!

• يتحسرون كثيرًا عندما يتذكرون أنَّ الشجاعة خانتهم في مواقف كثيرة، ولم يستطيعوا أن يعبِّروا عن آرائهم بوضوح تفاديًا لصدام محتمل مع مَن لا يعجبه رأيهم، سواء أكانوا معارف أم أصدقاء، أم نظامًا جار على حقوقه!

• الحسرة والندم على عدم الانتباه إلى مغبة عدم تواصلهم مع رفقائهم القدامى، وفشلهم في تجديد صداقتهم وعدم منحهم ما يستحقونه من وقت.

• فشلهم في أن يكونوا أكثر سعادة، فلقد أدركوا أنَّ السعادة والبهجة خيارٌ كان بمقدورهم القيام به، ولكن العادات النمطية القديمة وقفت حائلاً دون عملهم من أجل تحقيق هذه السعادة!.

وهكذا تلخصت الفكرة في خمسة أهداف كانت ستسعدهم لو عملوا من أجلها وهي:
لا تتجاهل أحلامك
لا تعمل بجهد كثير
قل ما تشعر وتفكر به
اكسب وحافظ على الصداقات
كن سعيدًا.