Atwasat

حوار الطرشان الحوار الوطني 2

أحمد الفيتوري الأربعاء 17 ديسمبر 2014, 01:20 مساء
أحمد الفيتوري

( 1 )
كنت في خيمة القذافي عقب خروجي من السجن بعد سنوات عشر قضيتها فيه،لأيام ثلاث كنت في لقاء مطول بالخيمة، في يوم منها استغرق الحوار ساعات: حتى ساعات أولى من صباح اليوم التالي، كنا خمسة من الكتاب منهم الصادق النيهوم.

حين تم استدعائي لذلك اللقاء كنت في الأسبوع الأول من زواجي وقد اتصل بي رئيس اتحاد الكتاب فرع بنغازي الأستاذ سعد نافو من أخبرني أني مطلوب في طرابلس ولم أمنح الوقت ولا حتى تذكرة، بعد مبيت لليلة في فندق أجنحة الشاطيء المليء بالصراصير كنت مساء اليوم التالي في الخيمة، وكان الفصل شتائيا قارصا حين استقبلنا القذافي خارج الخيمة التي عن بعد منها ظهر لنا كانون من نار حطب يتقد، في الخيمة ومن ثم في مقر باب العزيزية ثم ليلة أخرى في عشاء طال ببيت الزادمة طال أيضا الحديث، كان القذافي أغلب الوقت منصتا وإن تدخل فكان مثيرا لأسئلة والأقل تعليقا، ولم يكن ما يطرح متوافقا مع أطروحاته في أحيان، ولكوني كنت ممن خرج لتوه من سجونه دار حديث حول السجن وحول من هم ساعتها بسجونه،عرفت فيما بعد أنه في حالة كالتي كان اللقاء عليها يتخذ عادة القذافي الديكتاتور دور المنصت، بل ولاحظت أيضا أنه يتأمل ويهتم بضيوفه كأصحاب فكر وتجربة، ولعله من هذا يريد الاستفادة والاستزادة.

( 2 )
بعد ثورة فبراير والإطاحة بهذا الديكتاتور لم ألتقِ قادة فبراير ومن تنطعوا لدور ما في هذه الثورة، ولم أسمع عن أي لقاء لهم مع مثقفي البلاد أو غير البلاد وبالطبع لم يلتقوا كتابها ولا مبدعيها، وتأويل ذلك إما أنهم يكتفون بأنفسهم وإما لديهم استخفاف بعقول غيرهم وإما ليس لهم في الحوار وبالتالي الاستفادة والاستزادة، وما ذكرني بهذا ما تثيره إشكالات المسألة الليبية بعد أن طرح الحوار الوطني خاصة ما طرح في شأن غدامس 2.

كان القذافي أغلب الوقت منصتا وإن تدخل فكان مثيرا لأسئلة والأقل تعليقا، ولم يكن ما يطرح متوافقا مع أطروحاته في أحيان

ثمة استثناء في ما تصورته كقاعدة لمن طفت بهم بحيرة الدم الليبية الجديدة بعد فبراير 2011 كمسئولين أو كقادة، بخصوص اكتفائهم بعبقريتهم ونأيهم عن اللقاءات والحوار، هذا الاستثناء هو السيد محمد الدايري وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة الحالية الذي التقى مرات عدة بمثقفين وكتاب وصحفيين وبمن تسنى له اللقاء بهم من النخبة الليبية، وخلال الأسبوع الماضى التقى بمجموعة كنت منهم ودار حديث مطول حول الشأن الليبي الراهن والمسألة الليبية في الخارج: الدولي والإقليمي، وكان الحوار الوطني المأمول وَتَدَ البلاد والحديث.

( 3 )
فيما يخصنى كان الهاجس أن حوارا كهذا يتم بين أطراف تتقاتل لا يكون وليس ثمة حوارات بين مشمول كل طرف على حدة، خاصة الطرف الذي يتحدث باسم الشرعية المعتمدة مسار الديمقراطية، فالذهاب إلى الطاولة المستديرة يعنى أن هناك نتائج واستخلاصات قد صيغت وهى كما زبدة لمخاض. وأن تحديد الأطراف التي ستنبري للجلوس على الطاولة يسبقها قبل اتفاق كل طرف على حدة في مناقشة من يمثل هذا الطرف، لكن كل ما يطفح عبر الميديا موسوم بالإشاعات والإرادات الفردية التي لا تسمن و لا تشبع من جوع لانها تعيدنا إلى المربع الأول: جماعة سيف وجماعة الأخوان. أي كأنك يا بوزيد ما غزيت.

نفس الأسماء ونفس الأساليب وحتى نفس الأهداف مما يغيب الهدف الأكبر بناء وطن الذي لا يكون من شخصيات تشخصن المسألة وتحصرها في إطار رؤيتها للمسألة، وهكذا ضيعنا الكثير من الجهد والوقت والمال ،ومن هذا يكون مآل الحوار الوطني إلى حوار طرشان،أما مسألة الحسم على الأرض بالمزيد من المعارك فهو سينهك الطرفين ويكون الكاسب هو العدو المشترك: الإرهاب الدولي الذي يتجسد في البلاد بقناع محلي صرف.

وإن العضيد القوى والأخطر هو المكاسب الشخصية التي تعقد المسألة ويقتل المزيد من الأفراد من أجلها، فتصير الجماجم جسرا لهدف أقل ما يقال فيه أنه خسيس وبخس وأنه قاتل صاحبه أيضا، وفي تفسير هذا نجد من أعضاء مجلس النواب من يتسكع في مقاهي القاهرة وبارات تونس كي يكون البيدق الأهم في الرقعة، أو يقوم قائد فصيل بتحويل البلاد إلى مسرح دمى يحرك هذه الدمية ويخفى تلك، أما في الطرف الثاني فيقوم البعض بعمليات انتحارية من أجل أن يكون القائد.

إذن الجنوح الذاتي إلى الحوار لن يجدى كما أن الجنوح عنه لن يجدى، ولا تكون المكاسب الشخصية إلا الهاوية التي تذهب إليها البلاد والعباد ولو التفتنا قليلا إلى الوراء أي إلى ما بعد فبراير فسنجد الدروس فلو لم يحدث التناحر داخل الفصيل الوطنى ومن ثم بين الفرقاء لما حفرنا قبرنا بأيدينا، وأما الفصيل الإسلامي من يجنح إلى السلم فقد سلم نتيجة فوبيا السيسي رقبته إلى متطرفين ما يجدونه ويرغبونه ويحثهم العالم المعادى للإسلام عليه هو ذبح الإنسانية بقطع الرقاب، هذا الفصيل هو الخاسر منتصرا أو مهزوما كما هي مدينة مصراته التي اتخذوها معبدا ومثابة، وعملية الإنقاذ أي الحوار الوطني في غدامس أو أوجلة وقيام حكومة وطنية والاتفاق المبرم من أجل ذلك قد يكون خطوة لكنها خطوة عمياء طالما أن المنطلقات ذات المنطلقات بعد فبراير مباشرة،إنكم جميعا بهكذا حال شمشون ليس إلا .