Atwasat

حالة الانفتاح

فريد زكريا الأحد 14 ديسمبر 2014, 12:19 مساء
فريد زكريا

يتفق بعض الذين أيدوا الكشف عن تقرير التعذيب للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ على أنه قد يضرُّ بالمصالح الأميركية في الخارج. أما معارضو التقرير، فهم على يقين، مثل السيناتور تيد كروز، من أنه «سوف يعرض أرواحًا للخطر، ويصرف عنهم حلفاءهم ويقوّض الأمن الوطني». ولكن هل سيكون هذا تأثيره حقًا؟

إن حجة كروز تشبه ما كان يُقال كثيرًا خلال الحرب الباردة. فقد قيل إن أميركا في وضع ليس بالأفضل من الاتحاد السوفيتي؛ لأنها كانت مضطرة للعمل ويديها مكبلتان خلف ظهرها، نتيجة تدخل الكونغرس والتعرض لوسائل الإعلام وكل الإجراءات الديمقراطية الأخرى. من الناحية الأخرى، تستطيع موسكو العمل بشكل سريع وفعال وقاتل وسري. فحتى سياسي معتدل مثل جورج كينان يشتكي من أن السياسة الخارجية في دولة ديمقراطية كبيرة غير منظمة تمثل عائقًا.

في الواقع، اتبع الاتحاد السوفيتي سياسة خارجية كارثية تمامًا. فقد قمع «حلفاءه» بوحشية، بحيث أنه بحلول الثمانينات، أحاطت به مجموعة من بلدان أوروبا الشرقية التي أصبحت معادية له بشدة. ودخل في سباق تسلح مع الولايات المتحدة استهلك منه حسب بعض التقديرات 10٪ إلى ما يقرب من 20% من ناتجه المحلي الإجمالي. وغزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان واستنزف نفسه في حرب لم يستطع الاعتراف بخسارتها.

كانت كل تلك الإخفاقات نتاج نظام مغلق دون مراقبة أو توازنات، تمتع الكرملين والمخابرات الروسية «كي جي بي» بالحرية التامة في المناورة، ودون رقابة، ودون مطالبة أبدًا بالكشف عن أي عمليات، كما لم تتحدث وسائل الإعلام عن ذلك أبدًا. وكانت النتيجة مواصلة الأخطاء التي كسرت في نهاية المطاف ظهر المؤسسة بأكملها.

اقترفت أميركا نصيبها من الأخطاء خلال الحرب الباردة. ولكن بسبب نظامها الديمقراطي القائم على النقد والشفافية والمراقبة والتوازنات، تم الكشف عن العديد منها في وقت مبكر. وتمكّنت الإدارات الجديدة من تغيير السياسة دون فقدان ماء الوجه. كان تصحيح المسار بمثابة عمل روتيني. وعلى الرغم من حنين البعض لنموذج الدولة الذي لا يتغير، فإن الديمقراطيات الكبيرة الصاخبة المثيرة للجدل، بريطانيا والولايات المتحدة، هو الذي ساد في العالم، وليس ألمانيا النازية أو إمبراطورية اليابان أو الاتحاد السوفيتي.

اتبع الاتحاد السوفيتي سياسة خارجية كارثية تمامًا. فقد قمع «حلفاءه» بوحشية، بحيث أنه بحلول الثمانينات، أحاطت به مجموعة من بلدان أوروبا الشرقية التي أصبحت معادية له بشدة

«يمكن تقديم برهان... على أن السرية للخاسرين»، هكذا كتب السيناتور الراحل دانيال باتريك موينيهان في كتابه لعام 1998 بشأن هذا الموضوع، مضيفًا أن «الانفتاح الآن ميزة فريدة تنفرد بها أميركا». تعمل الأنظمة المغلقة بشكل سيئ. أما الأنظمة المفتوحة، فلديها ميزة كبيرة في الحصول على ردود فعل.. عبر النقد والتعليق والمراجعة والتقارير. وتدعي الـ«سي آي إيه» أن برامجها بعد أحداث 11 سبتمبر نجحت بفاعلية، وتؤكّد أن أفضل حكم على ذلك ينبغي أن يكون الوكالة نفسها.. يقدّم تقرير مجلس الشيوخ رؤية بديلة بأدلة وحجج أقوى، وهو الجدال الذي سيجعل الـ«سي آي إيه» أفضل وليس أسوأ. وستضطرها وكالة الأمن القومي بمعلوماتها التجسسية الواسعة على صقل برامجها الاستخباراتية بصورة فعالة ومبررة.

ما المنظمة التي استفادت فيما مضى من كونها الحَكَم الوحيد على أدائها؟ تعتبر المحاسبة الديمقراطية مثل اختبار سوق للوكالات الحكومية تقريبًا، فهي تفرض تدقيقًا خارجيًّا يصعب جدًّا الحصول عليه خلاف ذلك.
وتعتبر لجنة الكنيسة هي المثال الحاسم لمفاجآت الكونغرس التي قيل أنها تضر السياسة الخارجية الأميركية.

لقد أصبح من المسلمات بالنسبة للكثيرين أن هذه اللجنة، التي أُنشئت في العام 1975 في أعقاب فضيحة ووترغيت، قد دمرت وكالة المخابرات المركزية وأضعفت أميركا. ولكن ماذا كانت نتائجها؟ لقد كشفت اللجنة أن وكالة الاستخبارات المركزية حاولت اغتيال مجموعة من زعماء العالم الثالث، وفي كثير من الأحيان باستخدام عمليات خرقاء وفاشلة أثارت ردود فعل قومية على مدى عقود، وأن الوكالة تسترت على أخطائها، وتجسست على مواطنين أميركيين.

وتضمنت الإصلاحات في تلك الفترة فرض حظر على الاغتيالات وإشراف الكونغرس والقضاء على وكالات الاستخبارات، وهو ما تطلب من الرئيس أن يوافق رسميًا على العمل السري (لتحديد المحاسبة)، وتحديد فترة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (بحيث لا يمكن لأي مسؤول أن يشغل المنصب طويلًا ويستغل نفوذه بالطريقة التي استغلها إدغار هوفر لأربعة عقود). وهذا مقياس على مدى معقولية هذه الإصلاحات التي لا يعترض عليها أحد اليوم أبدًا.

أما بالنسبة للعواقب الأوسع، بعد سنوات قليلة من لجنة الكنيسة، فإن التمرد في أفغانستان والمعارضة في شرق أوروبا والاختلال الوظيفي في الاتحاد السوفيتي، وكلها بمساعدة وكالات الاستخبارات الأميركية، تسببت في تفكك الإمبراطورية السوفيتية. علينا أن نضع كل ذلك في الاعتبار عند سماع تحذيرات مشابهة اليوم.

(خدمة واشنطن بوست)