Atwasat

نحو محاسبة عامة صادقة وشفافة

القاهرة - بوابة الوسط السبت 13 ديسمبر 2014, 08:19 مساء
القاهرة - بوابة الوسط

قام ضابط طبي بالمخابرات المركزية الأميركية «سي آي أيه» كان قد تم تعيينه لمراقبة استجواب أحد عناصر تنظيم القاعدة يُدعى أبو زبيدة بإرسال رسالة إلى رؤسائه في الرابع أغسطس 2002، وهو أول يوم تستخدم فيه «السي آي أيه» تقنية تُعرف باسم «الإيهام بالغرق». وأعطى الرسالة عنوانًا لا يُنسى: «وهكذا بدأت».

«كانت أطول فترة يضع فيها [المعتقَل] القماش على وجهه هي 17 ثانية. ومن المؤكد أن هذه الفترة ستزيد قريبًا. لم يُدل بأي معلومات مفيدة حتى الآن... إنني أتوجه إليه مرة أخرى لإعطائه جلسة إيهام بالغرق أخرى».

وهكذا بزغت حقبة كابوسية عملت فيها وكالة المخابرات المركزية بشكل متهور مع ضباط قليلي الخبرة في الاستجواب لجمع المعلومات التي قد تحمي أمة أُصيبت بشدة نتيجة لأحداث 11 سبتمبر 2001.

«بكى» زبيدة و«توسل» و«ناشد» و«اشتكى»، لكن تواصلت جلسات الإيهام بالغرق واستمر الاستجواب. وفي 8 أغسطس 2002، أرسل رسالة يقول فيها: «لقد تأثر العديد من أعضاء الفريق تأثرًا عميقًا ... لدرجة دفعت البعض إلى البكاء والاختناق».

إن ما بدأ ذلك اليوم في سجن سري في آسيا عاد إلى نقطة البدء يوم الثلاثاء بمحاسبة عامة من خلال تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ.

إن ما بدأ ذلك اليوم في سجن سري في آسيا عاد إلى نقطة البدء يوم الثلاثاء بمحاسبة عامة من خلال تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ. ومع قراءة تقرير اللجنة، تشعر بالقدر نفسه من الندم الذي عانى منه أعضاء الفريق المتفرجين هؤلاء قبل 12 عامًا. وبينما أذهلتني لهجة التقرير لكونها مفرطة في المقاضاة، فليس لدي أي شك في أن اللجنة كانت محقة في الكشف عنه.

يعد هذا التقرير بمثابة وثيقة سياسية، وهو لا يمثل تاريخًا نزيهًا، وإنما جزء من قيمته: ولا يوجد ببساطة أي طريق يمكن أن تسلكه الديمقراطية لتتجاوز صدمة كقضية الاستجواب هذه دون محاسبة عامة صادقة. إنها عملية شفاء غريبة، تنزع القشرة، لتكشف عن جروحنا؛ ربما تشبه عمليات تطهير الذات التي كان يقوم بها القديسون الأوائل.

تعد ألمانيا أفضل مثال على أن مواجهة الشرور الماضية يؤدي إلى نوع من الخلاص الوطني. لا تسيئوا الفهم: فممارسات الاستجواب التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية لا تُقارَن بجرائم ألمانيا النازية. لكن الألمان أصروا على مواجهة تاريخهم غير المقبول، واعترفوا بذنبهم مرارًا وتكرارًا، واحتفظوا بذل هزيمتهم في العام 1945 حتى على جدران برلمانهم.

كتب جورج باكر مؤخرًا في مجلة «نيويوركر» مشبهًا عملية الشفاء بالتحليل النفسي: «أخرجت ألمانيا ماضيها إلى السطح، وناقشته بلا نهاية، وقبلته، وأدى هذا العمل لسنوات عديدة إلى تحرير المريض ليعيش حياة جديدة ناجحة».

يصف تقرير مجلس الشيوخ لجوء وكالة المخابرات المركزية بتهور إلى الانتهاكات في الاستجواب. ولكن ما أدهشني هو المدى الذي كانت عليه الوكالة غير مهيأة للتعامل مع مشتبهي القاعدة الذين تم إلقاء القبض عليهم.

كان معظم ضباط وكالة المخابرات المركزية جواسيس من النوع الذي سيعيد الاعتراضات اللبقة لجون ليموند هارت عندما سُئل في العام 1978 حول الاستجواب القاسي الذي أجرته وكالة الاستخبارات الروسية «كي جي بي» مع المنشق يوري نوسينكو: «لم يدر بخلدي أبدًا أن أتورط في تجربة بغيضة كهذه ... إنني أنظر إليها كعمل مقيت».

في العام 2002، اتجهت الوكالة، خشية مواجهة «موجة ثانية» من هجمات القاعدة، إلى اثنين من علماء النفس الذين ادعوا أنهم خبراء في الاستجواب. وبناء على خبرتهم في تدريب الطيارين الأميركيين على مقاومة الاستجواب القاسي لدى الأعداء، ابتكر هؤلاء الاستشاريين قائمة تضم 12 تقنية لكسر إرادة معتقلي القاعدة. وبالإضافة إلى أسلوب الإيهام بالغرق، اقترحوا «استخدام الحشرات» و«الدفن الوهمي»، وهو ما رُفض على ما يبدو. وحصلت الشركة التي أسساها على 80 مليون دولار نظير خدماتهما.

أسهب تقرير مجلس الشيوخ في ادعائه بأن التعذيب «لم يكن وسيلة فعالة للحصول على المعلومات الاستخبارية».

أسهب تقرير مجلس الشيوخ في ادعائه بأن التعذيب «لم يكن وسيلة فعالة للحصول على المعلومات الاستخبارية». هل يمكن أن نكون على يقين من ذلك. لذا، من الحكمة أن نترك مسألة الفعالية مفتوحة على أن يكون لدينا موقف واضح تجاه المسألة الأخلاقية. فلا يمكننا أن نعرف ما إذا كانت المعلومات التي حصلنا عليها من الاستجواب القاسي ساعدت في توفير الخيوط الأساسية التي سمحت باستهداف أسامة بن لادن. وهذا هو السبب في أن حظر التعذيب خيار أخلاقي: لأن استخدام أساليب التعذيب يفقدنا بالفعل الحصول على معلومات مفيدة. وهذا هو الخطر التي نُقْدم عليه في عمل الشيء الصحيح.

والنقطة الأقل إقناعًا بشأن التقرير هي الصورة التي رسمها لوكالة خدعت بشكل خبيث بقية الحكومة. وهذا يحيي الفكرة التي تصور وكالة المخابرات المركزية على أنها «فيل مارق»، حسبما أشارت لجنة كنيسة فرانك في السبعينات وهو ما دحضه العديد من المؤرخين. والقصة الحقيقية لانتهاكات المخابرات في الخمسينات والستينات هي أنها كانت بأمر من الرؤساء أو أتباعهم ولم يكونوا يريدون معرفة تفاصيلها القذرة.

يتضح الغموض من خلال مذكرة بتاريخ 2 أغسطس 2002 بعد إبلاغ كوندوليزا رايس، مستشار الأمن القومي وقتذاك، بأن وزارة العدل اعتمدت أسلوب «الإيهام بالغرق» وغيرها من التقنيات التي نصفها الآن باسم التعذيب: «أُبلغت الدكتورة رايس بأنه لن يتم إبلاغ الرئيس بشأن هذه المسألة، ولكن [مدير«السي أي أيه»] حصل على موافقة سياسة لاستخدام تقنيات الاستجواب المحسنة لوكالة الاستخبارات المركزية».

وهكذا بدأت.

(خدمة واشنطن بوست)