Atwasat

معمر القذافي والخازوق

عمر أبو القاسم الككلي السبت 13 ديسمبر 2014, 11:38 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

كان معمر القذافي مولعا بإرسال الرسائل والإشارات التحقيرية، وكانت بمكان متقدم من الفجاجة. ففي بعض لقاءاته مع المحطات التلفزية الأمريكية كان يبدو أنه يتقصد أن تؤخذ له لقطات مواجهة من تحت وهو جالس على كرسيه العالي محركا رجله الموضوعة فوق الأخرى كي تظهر قدمه كما لو كانت تطأ على وجه المشاهد. كانت الرسالة موجهة إلى مشاهديه الأمريكان، بالدرجة الأولى، ثم الليبيين، والمعنى واضح.

لكن همه الأساسي كان توجيه الإهانات، بأشكال مختلفة، إلى الليبيين عبر رسائل وإشارات ما انفك يبتدعها ويبثها في خطاباته أو بطرق أخرى مختلفة. وقد ابتدأ ذلك بعد سنوات قليلة من وصوله إلى السلطة وجمعه مقاليد الحكم في يده.

ومن المؤكد أن الليبيين الذين عاشوا تلك الفترة يذكرون الرسم التخطيطي للحذاء الذي كان يواجههم أحيانا فجأة على شاشة التلفزيون ومكتوبا عليه: «إلى المرئية، مع التحية»! كان يقال بأنه كان يمتلك محطة بث كاملة بديلة سرية تشتغل على نفس تردد التلفزيون الليبي ويمكنه قطع البث عن محطة التلفزيون العلنية المعروفة في أية لحظة ويشغل هذه المحطة الخاصة.

معمر القذافي معروف بكرهه للمدينة وأهلها، ويتجلى هذا في إصراره على حضور الخيمة وجعلها رمزًا وتمجيدها واتخاذها مسرحًا للعديد من لقاءاته

لكن الرسالة لم تكن موجهة إلى المرئية حصرًا، وإنما إلى عموم الليبيين. من ضمن تسلياته بالليبيين ورسائله التحقيرية لهم المشهد الذي نقل ذات مرة على التلفزيون والذي يظهر فيه وهو يدخل أصابعه في منخري جمل واقف ويضغطها بقوة مرغما الجمل المسكين على البروك من شدة الوجع. وكانت الرسالة واضحة: أيها الليبيون، أنتم مجرد عير، وأنا أعرف كيف أجعلكم تركعون رغم أنوفكم، ورغم أنفتكم! كما أن مشهد الجرار الذي كان يبرز فجأة قاطعا البرامج العادية يمكن أن يكون المقصود منه، على ما في الحرث من جانب إيجابي، الاستعارة الجنسية لمدلول الحرث، وبذا يكون محتوى الرسالة: ليبيا والشعب الليبي موضع «حرث» معمر القذافي «يحرثها» و«يحرثهم» متى ما شاء وكيفما شاء.

من رسائله التحقيرية الواضحة أيضا عنوان كتابه «دولة الحقراء».

ومعمر القذافي معروف بكرهه للمدينة وأهلها، ويتجلى هذا في إصراره على حضور الخيمة وجعلها رمزًا وتمجيدها واتخاذها مسرحًا للعديد من لقاءاته، وإعلاء قيم البداوة والثقافة البدوية في وجه قيم المدينة وثقافتها، بل ومحاربة هذه الأخيرة بالسبل الممكنة كافة. وبالتالي كان يكن حقدًا بالغًا لمدينة طرابلس باعتبارها، تاريخيًا، أهم مركز حضاري في ليبيا.

ومن أبرز الرسائل التحقيرية الموجهة إلى سكانها أنه في الاحتفالات بوصول مياه «النهر الصناعي» إلى طرابلس كان الأنبوب في البداية، قبل وضع النافورة محله، مصممًا على هيئة العضو الذكري وكانت المياه تتدفق منه. والرسالة هنا غير محتاجة إلى شرح.

لكن، لنفترض أن معمر القذافي عاد إلى الحياة وأفضى به سيره إلى ميدان الشهداء ووجد الخازوق المنصوب حديثا هناك. كيف ستكون ردة فعله؟ أتصور أنه سيقف، في البداية، مذهولاً ومتحسرًا على أن هذه الفكرة لم تخطر له على بال، وسيشعر بالحسد والحقد على العبقري صاحب الفكرة المذهلة.

وبعد دقائق ستتغير مشاعره ويشعر بالغبطة لأن ثمة من يسير على نهجه في تحقير الليبيين ويطور أفكاره في سبيل إهانتهم، فيعود إلى قبره مطمئنا إلى أنه قد أدى رسالته على أكمل وجه. وبالنسبة إلى الذين يؤمنون بالتقمص فسيعتقدون أن روح معمر القذافي قد تقمصت صاحب فكرة الخازوق وأن معمر القذافي عاد إلى ممارسة نشاطه عبر هذا الجسد.