Atwasat

مخطط معمر القذافي

عمر أبو القاسم الككلي السبت 22 نوفمبر 2014, 12:36 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

في السنوات القليلة التي أعقبت انهيار نظام الرئيس الصومالي زياد بري، وما جرى خلالها من فوضى واضطراب واحتراب وتفتت شمل الأراضي الصومالية، نشأ لديَّ اعتقاد بأن معمر القذافي، الذي كان يراقب الوضع هناك بكل تأكيد(وقد يكون تدخل فيه أيضا)، يخطط لأن تعاني ليبيا نفس المصير في حالة انهيار نظامه فجأة، وسواء بقي هو، مثل زياد بري، حيا طامعا في استعادة السلطة، أو التحق بالأموات، تطبيقا للمثل الشعبي القائل:"تجيف، ولا ياكلوها الكلاب".

وكنت في الجلسات الخاصة أطرح على أصدقائي تحليلا مفاده أن ليبيا بلد ينعدم فيه الدستور الذي من شأنه تحديد سبل انتقال السلطة في حالة شغور المنصب الأعلى في الدولة(غير المعرَّف في ليبيا نتيجة انعدام الدستور) بالمرض أو الوفاة، الطبيعية أو بسبب فعل فاعل. (الاستقالة غير واردة طبعا! ذلك أن الاستقالة تأتي من صاحب منصب وتقدم إلى جهة مسؤولة أعلى من منصب مقدم الاستقالة، وهو الأمر المنعدم وجوده بالنسبة إلى حالة ليبيا وحالة معمر القذافي، ومسألة التوريث لم يتم التفكير فيها حينها لصغر الوارثين). لذا فأنا أعتقد أن معمر القذافي يخطط بجدية لأن تشهد ليبيا، بعد انهيار نظامه لأي سبب كان، مصيرا سيئا على غرار ما تشهده الصومال منذ سنة 1991.

درجة التلاحم الاجتماعي في ليبيا تتسم بقدر من المتانة

كنت متشائما جدًا، لكن عددا من جلسائي كانوا يتبنون تحليلاً مضادًا مُطَمْئنا، اعتمادًا على نسبة عمق انقسامات التكوينات الاجتماعية في البلدين، حيث أنها أعمق في الصومال أكثر منها في ليبيا بكثير، وبالتالي فإن درجة التلاحم الاجتماعي في ليبيا تتسم بقدر من المتانة يجعل الشعب الليبي قادرا على منع الاحتراب والحيلولة دون الفوضى والتشظي وما ينجرُّ عنهما من متاعبَ ومآسٍ، إضافة إلى أن الشعب الليبي غني بثروة استمر القذافي يحرمه من التمتع بها لأكثر من ربع قرن(بناء على الزمن الذي كانت تدور فيه المناقشات) وسيجد في زواله فرصة سانحة للتمتع بهذه الثروة في ظل حياة مستقرة. ووسط هذا المناخ، يؤكد محاوريَّ، ستدرك جميع القوى الطامعة في السلطة أنه لا يمكنها فرض نفسها بالقوة وأن مرحلة الصوت الواحد قد طواها التاريخ، وبالتالي ستكون الكلمة العليا لصوت العقل، وليس لنيران السلاح وقعقعته .

لم يكن أصحاب التحليل المناقض يستبعدون تخطيط معمر لصوملة ليبيا بعد زواله فجأة أو قسرا. ولكنهم كانوا يوردون العوامل التي ستحبط مخططه. أي أنهم لم يكونوا يعترضون على سوء طوية معمر وطبيعته، وإنما كانوا يثقون في سوية طبيعة الشعب الليبي وطويته.

وبما أن حججهم كانت من القوة والتماسك بمكان، أو لأني داخليا كنت أتمنى أن أكون مخطئا وأعمى البصيرة في أمثال هذه الحالات، فقد اقتنعت بتحليلهم وصرت أفند به حجج نفسي المتشائمة!

وحتى عندما توعد معمر القذافي(مهددا الليبيين أو منبها لهم)، على لسان ابنه سيف الإسلام، بعد اندلاع الانتفاضة بأيام قليلة، بما ينتظر الليبيين من عودة القبلية وذهاب الثروة النفطية وعودة الاستعمار، ظللت على قناعتي، ولسان حالي يقول: ليخطط معمر القذافي ما كيفما شاء، لكن الشعب الليبي اختار طريقا آخر.

وحين بدأت مصادر الخطر والفوضى تتبلور، بعد تحرير طرابلس بأقل من شهرين، كتبت مقالا نشر بموقع"ليبيا المستقبل" قبل مقتل القذافي بأسبوعين(لم يعد المقال موجودا على صفحة الموقع الآن) بعنوان:"تحقيق وعيد سيف الإسلام القذافي؟؟!!" نبهت فيه إلى بداية ظهور مصادر الفوضى التي حددتُها في تصلب بعض المدن التي نهضت بالعبء الأكبر في"الانتفاضة المسلحة"(وهذا التعبير مني الآن ولم يكن واردا في المقال) والجماعات الإسلامية المتطرفة والدعوات الفدرالية ثم النزوع القبلي. وختمت المقال بأن الشعب الليبي لم يقم بما قام به ولم يضحِّ هذه التضحية الجسيمة من أجل تحقيق وعيد سيف الإسلام القذافي، أي ما أسميه الآن"مخطط معمر القذافي".

لكن اتضح أن مخطط معمر كان حسب ما كنت أتوقع، وأن الشعب الليبي لم يكن مثلما توقع أصدقائي الذين أقنعوني بتحليلهم حينها. فلقد أبى جزء من الشعب الليبي أصبح، بحكم الظروف، جزءا فاعلا، إلا أن يحقق ما خطط له الحاكم الذي أطاح به. كأن هذا الجزء"ثار" بسبب تلكؤ معمر القذافي في تنفيذ مخططه.