Atwasat

الصابري عرجون الفل

أحمد الفيتوري الأحد 16 نوفمبر 2014, 03:14 مساء
أحمد الفيتوري

الصابري حي من أقدم أحياء مدينة بنغازي الليبية هو بوابتها الشرقية، وهو حي شعبي سكانه من فقراء ليبيا من الشرق والغرب والجنوب، و عرف بأنه كان يضم السكان السود في المدينة، وهو حي الفن في المدينة، الفن الذي عرفت به بنغازي: الغيطة والمرزكاوي، مما انتشر في جل البلاد، والحى يضم أيضًا أغلب المدارس الصوفية، ومنه خرج كثير من أعلام البلاد في الفنون والآداب والرياضة، ولأبنائه أغنية معروفة تشيد بالحي تغنى بها المطرب محمد حسن المعروف –أصيل الحي- في شريطه «رحلة نغم».

الصابري عرجون الفل / الصابري ورد وياسمين / الصابري زين على زين / الصابري عرجون الفل الصابري عمره ما ذل.

هذا الحي تردد ذكره في الأخبار خلال هذه الأيام كثيرًا باعتباره ساحة لقتال شرس بين الجيش الليبي والجماعات الإسلامية المتطرفة، وباعتبار الحي يحاذى البحر ومزدحمًا بالسكان فقد ظهرت المعارك التي تدور رحاها فيه كمعارك شوارع، استخدمت فيها الصواريخ كما الأغراض العامة بل الطائرات التي كانت تضرب مخازن ذخيرة تخص الجماعات، وأن تدور المعارك بهذا الثقل وهذه الشراسة فقد ظهرت كما معركة حاسمة، ما لا بد من الإشارة إليه أن مساحة الحى لا تتعدى أربعة كلم في 2كلم بأقصى حال وسكانه حوالي 80 ألفًا، وعلى الجانب الشرقي منه منطقة نخيل فيها إسطبلات للخيل واستراحة تمتلكها شركة الجوف النفطية، هذه جملة اتخذت كمعسكرات للميليشيات المتطرفة ومخازن للذخيرة، واللثامة منطقة رملية مكثفة وقليلة السكان.

إن التنوع السكاني المدني الشعبي والتاريخ الفني جعلا الحي منفتحًا وقابلاً للتفاعل، ولهذا وجدت الجماعات المتطرفة فيه ملاذًا، إضافة إلى أن سكانه ذو علاقة قوية بالبحر والصيد وعرفوا بالتالي بصناعة «الجولاطينة» الديناميت لأغراض الصيد البحري، وقد أسهموا في تزويد المدينة أيام الثورة الأولي بهذا الديناميت لمواجهة قوات نظام القذافي، وبعضهم أوصل نتاجهم من الديناميت -في حينها وعبر البحر بقوارب صيدهم– إلى مدينة مصراتة التي تبعد عن بنغازي 800 كم.

إن الجماعات المتطرفة تجد في مثل هذه المجتمعات المنفتحة إمكانية لتسريب أفكارها وأهدافها، ولهذا نجد أوروبيين ينضوون في مثل هذه الجماعات، ولعل بعضنا يذكر في عقد السبعينات من القرن الماضي جماعة بادرماينهوف في ألمانيا، والألوية الحمراء في إيطاليا وهي الجماعة التي خطفت الدو مورو رئيس وزراء إيطاليا آنذاك.

والآن الصابري يعيش معارك الجيش الليبي مع الميليشيات المسلحة المتطرفة التي جعلته كمقر للاعتبارات السابقة، وباعتباره حي شرق الميناء فقد جعل منه مخزنًا، وأثناء العدوان الإيطالي على ليبيا، واحتلالها في أكتوبر 1911 كانت معركة الصابري ضد القوات الإيطالية من أولى المعارك التي خاضها الليبيون ضد الإيطاليين.

الصابري وجه بنغازي البحري ومخزن فنونها يواجه اليوم معركة إثبات وجود ودفاع عن وجهه المدني الشعبي، عن المرزكاوي وعن الغيطة، وعن الروح الشعبية التي تزخر بتنوع الحي البحري حي البحر الأبيض المتوسط الذي عشت فيه أغني مع أطفاله: وين حوش بو سعديه. ما زال لقدام شوية، وفي صباي رددت في زواياه الصوفية: صلاتك ربي والسلام على النبي، وفي كهولتي أسمع الرصاص يلعلع وفي الذاكرة تلك العجوز السمراء التي تبيع الفول المطبوخ، وتردد الزغاريد مع جملتها الأشهر: كوشي يا ليبيا -أي لك الفخار يا ليبيا- حكمك لــــ 42 سنة ملازم أول شبه عاقل لم يتعد عمره 27 سنة، واليوم تحول معارضو ذلك الملازم إلى أزلام له عند الجماعات التي تحكمك بالحديد والنار، والتي دينها الحق برجماتية الغرب وشريعتها شريعة الغابة: الحق لمن يمتلك السلاح، ولا سلام لكم ولا عليكم.