Atwasat

الأسئلة الكبرى المطروحة في العراق

القاهرة - بوابة الوسط الخميس 13 نوفمبر 2014, 03:52 مساء
القاهرة - بوابة الوسط

فيما تحث الولايات المتحدة الخطى نحو حربها الثالثة التي تشنها في العراق في غضون ربع قرن من الزمان، من المهم أن تكون هناك قائمة مرجعية ذهنية لتقييم ما إذا كانت الاستراتيجية الأميركية هناك يمكن أن تنجح أم لا. وفي هذه اللحظة يصعب أن يتحلى المرء بالتفاؤل بسبب استمرار الفساد والطائفية في العراق.

يبدو إطار الرئيس أوباما الاستراتيجي الأساسي صحيحًا، من الناحية النظرية. فقد كرر أوباما يوم الاثنين في بكين قوله: «ليس رجالنا هم الذين سيخوضون القتال. على العراقيين في نهاية المطاف أن يقاتلوا [الدولة الإسلامية] وعليهم أن يقرروا أمنهم بأنفسهم».

وفيما تعهد أوباما من جديد بأنَّ دور أميركا سيكون «مساعدة العراقيين على مساعدة أنفسهم»، أعلنت الولايات المتحدة أنَّها سترسل قوات إضافية قوامها 1500 فرد كمستشارين في العراق، وهو ما يضاعف القوة الأميركية هناك إلى الضعفيْن تقريبًا.

فكيف يمكن للولايات المتحدة أن تتجنب تكرار أخطاء الماضي؟ في إطار بحثي عن أجوبة، تحدثت هذا الأسبوع مع ستيوارت براون، المفتش العام الأميركي السابق الخاص بإعادة إعمار العراق، الذي قام مكتبه بتدقيق التبديد وسوء الإدارة المزمنيْن في الإخفاق العراقي الأخير، فساعدني على إعداد بطاقة نقاط لتقييم المجهود الحالي.

يبدو إطار الرئيس أوباما الاستراتيجي الأساسي صحيحًا، من الناحية النظرية

لفهم إلى أي مدى ساءت الأمور في العراق بعد الغزو الأميركي في مارس 2003، اقرأ تقرير براون النهائي لسنة 2013 والذي يحمل عنوان «التعلم من العراق»، حيث تشير تقديرات براون إلى أنَّ نحو 40% من المشروعات المُنفَّذة برعاية الولايات المتحدة وقام بتدقيقها تشوبها مواطن قصور كبيرة.

ونجد ها هنا تذكِرة مخيفة تذكرنا بإلى أي مدى كان إنفاق العراق خارج السيطرة، حيث يقول براون في تقريره إنَّ الولايات المتحدة سلّمت في عاميْ 2003 و2004 ما يزيد على 10 مليارات دولار أميركي نقدًا، سحبتها من إيرادات العراق النفطية المجمدة، وقد بعثت بها «على هيئة رزم ضخمة من الأوراق فئة 100 دولار أميركي مغلَّفة بأفلام البلاستيك».
وينوه براون بوضوح قائلاً إن «هذا المال أسيئت إدارته بوجه خاص».

والحقيقة أنَّ كثيرًا منه تعرَّض للنهب على الأرجح.

وفي معرض وصفه البنك المركزي العراقي، كتب براون يقول: «عزز برنامج إعادة الإعمار الأميركي دون قصد مُثلثًا من المحسوبية السياسية أضلاعه الأحزاب السياسية والمسؤولون الحكوميون والجماعات الطائفية، وقد شجع هذا المحور القاتل على ظهور مرتع للإرهاب والفساد سمّم البلد».

وهنا يكمن التحدي باختصار. فالعراق خربه العنف الطائفي والفساد على مدى العقد الماضي، وأي جهد أميركي يرمي إلى إعادة بناء جيش عراقي قوي بما يكفي للمساعدة على المتطرفين الإسلاميين يجب أن يعالج هذه القضايا. وهنا من جديد، كان أوباما محقًّا في إصراره على رحيل رئيس الوزراء الاستقطابي الفاسد نوري المالكي كشرط لتقديم المساعدة العسكرية الأميركية. لكن ماذا الآن؟

انهار الجيش العراقي الذي دربته أميركا عندما اجتاح «داعش» الموصل في يونيو الماضي

كيف يسير رئيس الوزراء حيدر العبادي، خليفة المالكي المدعوم من الولايات المتحدة، في القضايا المهمة المتمثلة في إقامة حكومة أنظف وأقل طائفية؟ لقد شهد بداية بطيئة. فهيا بنا نستعرض القائمة:

-- الفساد: لا يمكن أن ينجح العراق عسكريًّا ولا اقتصاديًّا دون وضع حد للفساد الهائل الذي شهده عهد المالكي. فوفقًا للمدققين الذي عملوا مع براون، أسفرت عمليات غسل الأموال من خلال البنك المركزي العراقي عن خسائر تزيد على 100 مليار دولار على مدى السنوات العشر الماضية، وقد مُرِّر كثيرٌ من هذا المبلغ إلى بنوك في دبي وبيروت. إنَّ محافظ البنك المركزي العراقي المعين حديثًا هو علي العلاق، الذي كان في ما سبق يشغل منصب الأمين العام لمجلس وزراء المالكي، وكان في وظيفته تلك يشرف على التعاقدات الحكومية. هذه أنباء محبطة.

-- الطائفية: استخدم المالكي الحكومة لمعاقبة الأقلية السنيّة في العراق، مما دفع بهم إلى أحضان المتطرفين. وقد تحدث العبادي عن إنهاء هذه الدولة البوليسية الطائفية، لكن الشخص الذي وقع عليه اختياره لشغل منصب وزير الداخلية المهم هو محمد سالم الغبان، وهو أحد مسؤولي فيلق بدر، الذي ينظر إليه كثيرٌ من أهل السنّة كفرقة موت شيعية. ويخشى السُّنة أن يتلقى الغبان أوامره من زعيم فيلق بدر هادي العامري.

-- التدريب العسكري: انهار الجيش العراقي الذي دربته الولايات المتحدة عندما اجتاح تنظيم «داعش» الموصل في يونيو الماضي. وقد بدأ مدربون جدد من الولايات المتحدة ودول أخرى يتوافدون الآن على العراق لإعادة بناء الجيش، لكن ثمة تنبيهًا هنا: لقد أنفقت الولايات المتحدة ما يزيد على 20 مليار دولار على تدريب قوات الأمن العراقية فيما بين عامي 2005 و2011، ويجب على المخططين في البنتاغون أن يطرحوا على أنفسهم هذا السؤال: ما الذي سيختلف هذه المرة؟

-- مدّ اليد إلى الأكراد: من أجل كسب التأييد الكردي، يجب أن يوفي العبادي بوعد جاء في الدستور بتخصيص 17% من الموازنة الوطنية لإقليم كردستان، كما ينبغي عليه أيضًا أن يسن قانونًا جديدًا يضمن تقاسم أموال النفط. ومنذ شهر يناير الماضي، لم يتلق الأكراد دينارًا واحدًا من مخصص الموازنة الموعود.

-- مدّ اليد إلى المنطقة: من أجل إعادة بناء الثقة مع السنّة، يجب أن يعمل العبادي مع دول الخليج المجاورة لا أن يقتصر على إيران فحسب. والانخراط العربي طريق ذو اتجاهيْن: فعلى العبادي أن يسافر إلى الرياض والعواصم الخليجية الأخرى، وعلى السعوديين والآخرين أن يقابلوا ذلك بالمثل. وحتى الآن لم يحدث هذا ولا ذاك.
لا يمكن أن يمسك العراق بزمام المبادرة ضد الدولة الإسلامية إلا إذا صار دولة أكثر اشتمالاً للجميع وأكثر لامركزية أيضًا. واستراتيجية أوباما معقولة من حيث المبدأ، لكنها لن تفلح دون إحراز تقدُّم ضد الطائفية والفساد.
(خدمة واشنطن بوست)