Atwasat

مركز «هداية».. درهم وقاية من الإرهاب خير من قنطار علاج

القاهرة - بوابة الوسط الخميس 23 أكتوبر 2014, 01:00 مساء
القاهرة - بوابة الوسط

يقينًا لا يبدو «هداية» كمركز عالمي لمكافحة الإرهاب، حيث يوجد مقره في فيلا هادئة كائنة في شارع فاطمة بنت مبارك هنا، ويعمل به 14 موظفًا، ولا تقترب موازنته السنوية حتى من تغطية ثمن مروحية مسلحة من طراز «أباتشي».

تريد هذه المنظَّمة الدولية الصغيرة جدًّا أن تكون الوجه الرقيق للمعركة الدائرة ضد الجماعات الإرهابية من قبيل تنظيم «الدولة الإسلامية»، ويبين كتيّب للمركز أنَّه إذا كان الناس ينظرون إلى جهود مكافحة الإرهاب التقليدية باعتبارها تتمثل في جنود يحملون أسلحة آلية، فإنَّ «هداية» يريد بدلاً من ذلك صورة لأطفال يجلسون حول سبورة في مدرسة ريفية.

ثمة أولوية ثانية بالنسبة لمركز هداية هي القضاء على النزعة الراديكالية لدى السجناء وإعادة تأهيلهم

إذا نظرت إلى الشرق الأوسط اليوم، ستجد نفسك مضطرًا إلى قول إن النهج السابق، الذي يشدد على الجنود المسلحين بالبنادق، لم يكن فعالاً بشكل كبير، فقد التهم العنف الطائفي سورية والعراق وليبيا واليمن، كما أنه بدأ يأكل الآن أممًا محيطة. إذن فربما قد حان الوقت لأن نُجرِّب النهج البديل الذي يتمثل في منظمات غير لافتة للأنظار مثل مركز «هداية» الذي لم تزد موازنته للعام 2014 على ستة ملايين دولار.

أنشئ مركز هداية في العام 2012 من جانب البلدان الـ29 أعضاء المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب الذي تترأسه الولايات المتحدة وتركيا. وتشمل الأمم الأعضاء في هذا المنتدى بلدانًا كثيرة قام مواطنوها بتمويل الفكر الراديكالي أو تصديره، مثل المملكة العربية السعودية وقطر وباكستان وأفغانستان. وكان الدافع وراء إنشاء المركز تبادل الأفكار - خارج نطاق الشراكات الاستخباراتية والأمنية القائمة - من أجل «إعادة توجيه مسار الدعم المُقدَّم للإرهابيين وللمجندين المحتملين من خلال تدابير وقائية غير قسرية».

بل إن المركز لا يصف حتى رسالته بأنَّها مكافحة الإرهاب. فبدلاً من «مكافحة الإرهاب»، يتمثل نشاطه في «مكافحة التطرف العنيف». ويمتد النهج غير الطائفي الذي يتبعه المركز إلى وصف المصلى الملحقة به بأنَّها «مصلى لكل الديانات».

لسوء الحظ أنَّ النهج غير القسري الذي يتبعه «هداية» نال دعمًا بالكلام أكثر مما نال دعمًا حقيقيًّا من الأمم المشاركة فيه. ويعقد المركز اجتماعات وندوات، لكن أنشطته محدودة بسبب النقص الشديد في الأموال.

ويقول مقصود كروز، المسؤول الإماراتي الذي يدير هذا الفريق، إنَّ المركز حقق 15 % مما كان يمكنه القيام به لو كان يحظى بمزيد من المال والاهتمام.

يشدد برنامج عمل هداية على سبل تجنب عملية تلقين الراديكالية التي تقود الناس إلى اعتناق الإرهاب. فكرة المركز هي الوقاية بدلاً من رد الفعل. وفي الملخص الذي أعدّه المركز لأنشطة عامه الماضي، نجد أنَّ البند الأول هو «منع المدارس من التحوُّل إلى بيئات مولدة وحاضنة للراديكالية وأماكن لتجنيد المزيد من المتطرفين المستخدمين للعنف». سيعني هذا من الناحية العملية وقف استخدام المدارس وغيرها من المؤسسات التعليمية الدينية كميدان تدريب للجهاديين.

أنشئ مركز هداية في العام 2012 من جانب البلدان الـ29 أعضاء المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب

أنا شخصيًّا أرى أن هناك طريقة بسيطة للجم إساءة استعمال التعليم الإسلامي، حيث يجب على المملكة العربية السعودية، التي ساعد التمويل الذي تقدِّمه للمدارس الدينية في أماكن مثل أفغانستان وباكستان على خلق جيل من المحاربين الدينيين المحتملين، أن توقف هذه الممارسة. وينبغي أن يكون مطلب الأمم التي انضمت إلى التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية: «لا مزيد من التمويل الأجنبي للمدارس الدينية». ولا يقترح «هداية» مطلبًا ثوريًّا كهذا، لكن ينبغي عليه هذا.

ثمة أولوية ثانية بالنسبة لمركز هداية هي القضاء على النزعة الراديكالية لدى السجناء وإعادة تأهيلهم. وينوه المركز قائلاً: «السجون شبكات إرهابية محتملة»؛ لأنَّها صارت أماكن يستطيع فيها الراديكاليون تجنيد الأفراد وتلقين عقائدهم ووضع الاستراتيجيات. وقد حظيت السجون بأهمية خاصة لدى تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي حرص على تحرير الآلاف من النزلاء المشربين تمامًا بالفكر المتطرف مع زحفه عبر الأنبار والموصل في العراق. وفي هذا الصدد، تُوفِّـر لنا المملكة العربية السعودية نموذجًا إيجابيًّا يحتذى، حيث عملت المملكة على مدى العقد المنصرم على إبعاد سجناء تنظيم «القاعدة» عن العنف.

هناك نهجان وقائيان آخران جديران بالملاحظة. فيحاول «هداية» أن يشجع ضحايا الإرهاب على حكاية قصصهم، بحيث يسمع الشباب رواية مضادة للروايات البطولية التي يروِّج بها الجهاديون لأنفسهم. كما أنَّه يشجع جهود خفارة المجتمعات المحلية حول العالم، بحيث يحصل رجال الشرطة المحليون في مدينة نيويورك أو أمستردام أو الرياض على تلميحات من أولياء الأمور أو الأصدقاء أو الأئمة عندما يتحول الشباب إلى اعتناق الفكر الراديكالي.

يشمل هدف «هداية» الأخير استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي كوسيلة لمحاربة التطرف. ربما تكون هذه الرسالة هي الأعظم أهمية؛ نظرًا للبراعة التي أظهرها تنظيم «الدولة الإسلامية» في استخدام الإنترنت للترويج للمواجهة العنيفة.

على مدى العقد الماضي، نجد أنَّ هذه المعركة الافتراضية ضد التطرف شُنّت نمطيًّا على أيدي أجهزة الاستخبارات السريّة والأجهزة العسكرية أو تعرَّضت للتجاهل، وكلا النهجيْن غير منطقي. وتعكف إحدى الدول الأوروبية على تنفيذ برنامج رائد يتضمن القيام بزيارات إلى مواقع الجهاديين، مما يستحث رسائل تلقائية ضد الراديكالية. وترسل هذه الخطوة رسالة ثنائية مفادها: نحن نراقب ونفعل الشيء الصحيح.

لنكن أمناء مع أنفسنا: لقد فات أوان منع راديكالية مقاتلي «الدولة الإسلامية»، ولسوء الحظ أنَّ معركة «إضعاف وفي نهاية المطاف تدمير» أولئك المجندين سوف تُشنُّ الآن بمروحيات الأباتشي المسلحة والطائرات دون طيار، لكن ربما يتسنى إثناء مَن هم أصغر منهم سنًّا من إخوانهم وأبناء عمومتهم عن التطرف العنيف من خلال برامج من قبيل التي يشجعها «هداية».
(خدمة واشنطن بوست)