Atwasat

الشاويش المنتظر

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 22 أكتوبر 2014, 12:52 مساء
محمد عقيلة العمامي

من حين لآخر يحتاج المرء إلى الوقوف حيال الأشياء وقفة دهشة وينظر إليها بعين طفل.

الدهشة التي وقفت عندها أنَّ ما حدث أثناء، وبعد ثورة ليبيا، لم يكن له مثيل، ولكن الرأي، الذي يقول إن «كل ثورة يلبس صناعها مع الوقت رداء الطاغية الذي أسقطوه» لم يتأسس عندنا حتى الآن، لأنَّه عندنا أكثر من مشروع طاغية، وهناك قوى عالمية تدرس أفضلهم، لتتبناه وتزرعه فوق رؤوسنا، فليس هناك متربصٌ واحدٌ يسعى لتوثيق علاقاته مع عدد من متناحرين لم يستطيعوا حتى إقناع أنفسهم بأسباب خلافاتهم وعدم توافقهم؛ ولكن يبدو أننا نسعى لمساعدتهم في تكوين أسباب هذا التناحر.

الناس كفروا بما يحدث ولا يريدون شيئًا سوى الاستقرار والأمن والأمان ومستشفيات ومدارس لأطفالهم

أريد أن أعرف أولاً، مَن بمقدوره أن يفهِّمني ما أهداف وثوابت ثورة السابع من فبراير؟ مَن يستطيع أن يقنعني أنه كانت هناك أهدافٌ وثوابتٌ لهذه الثورة؟

كنت في بنغازي منذ قيامها، وأعلنت من البداية رأيًّا لم يقبله الكثير من المثقفين والمتابعين، خلاصته أنَّ التحوُّل التدريجي نحو الديمقراطية هو الذي يناسبنا، لأنَّ المؤشرات تقول إننا لسنا مؤهلين لإتمام مراحل الثورة، وهي :إسقاط النظام، تأسيس نظام بديل، ثم قيام الدولة. باعتبار أنَّ هذه الأمور تحتاج إلى بنية تحتية، ومؤسسات تنفذ مشروع الدولة.

كل ما حدث أنَّ الشارع قام بانتفاضة لم يتوقع الناس أنَّها ستكون ثورة تسقط نظامًا شموليًّا، عنيفًا راسخًا كنظام القذافي، ولكنه نجح في إسقاط رموز الحكم المستبد، مثل الكتيبة في بنغازي. فدوت فزعة، من أنحاء ليبيا تساند بنغازي.

ثم اتجه الشارع يبحث عن قيادة له فتقدم عددٌ من القانونيين وتولوا زمام المبادرة ولا أريد ذكر الأسماء، لأنها موثقة ومعروفة، وتسلسل الأحداث موثق أيضًا، ولكن ليس بمقدور أحد يدعي أنَّ هناك أهدافًا وثوابت متفقًا عليها، وإن كان عددٌ ليس بقليل يرى أنَّ أهم هذه الثوابت هي أن يتزوج المواطن بأربع نساء! وأن يقترض من المصارف من دون فوائد!

لعلنا بتتبع معرفة مجريات الثورة الكوبية قد نستفيد؛ لأنَّ مجرياتها تبرز نقاطًا مهمة للغاية، قد تساعدنا في فهم وتقبل ما يجري في ليبيا. بعد الاحتلال الإسباني لجزيرة كوبا في أوائل العقد الثالث من القرن الماضي، تولى الديكتاتور القاسي (جيراردو ما كادو) حكم الجزيرة، إلى أن أسقطه الطلبة لينطلق، من بين صفوف الثوار، جاويشٌ صلبٌ اسمه (فولجنسيو باتيستا) حتى صار جنرالاً ثم رئيسًا لكوبا سنة 1940م -لا أظن أنَّه بخافٍ على أحد عدد النماذج العديدة، التي برزت أسماؤها كقادة للثوار!- وقد سيطر (باتيستا) تمامًا لأكثر من عشرين عامًا، ولا ينبغي أن ننكر أنَّه قدَّم بضعة أشياء وإن كانت صورية للديمقراطية، ودستورًا مكتوبًا، وانتخابات، ولكنه أحكم سيطرته على الجيش فكانت له الكلمة الفاصلة. كان دكتاتورًا طيبًا، وفَّـر للناس كثيرًا من الخدمات، ولكنه كان لصًا كبيرًا هو وبطانته، إلى أن سقط وفرَّ من كوبا يوم 1/1/1959م وقدرت حينها ثروته بحوالي 300 مليون دولار. بعدها تولى كاسترو، الثائر الذي حكم كوبا بمفرده، إلى أن تنازل أخيرًا إلى أخيه عن حكم كوبا.

لعلنا بتتبع معرفة مجريات الثورة الكوبية قد نستفيد

نحن، حتى الآن، لم نصل مرحلة حكم باتيستا، ولكننا مهيؤون لها، والأطراف الخارجية المتربصة تبحث عن هذا الجاويش المناسب! قد يتم الحال عندنا من خلال فرد، ولكن قد يتم من خلال أيديولوجية في الغالب إسلامية، أو شبه إسلامية! وعلى ذلك لا نستبعد بروز شخصية مؤثرة قوية تأخذ زمام المبادرة.

كل هذه الاحتمالات واردة وقابلة للنجاح بسبب أنَّ الناس كفروا بما يحدث ولا يريدون شيئًا سوى الاستقرار والأمن والأمان ومستشفيات ومدارس لأطفالهم، أما مَن يحكم فلم يعد أمرًا مهمًّا، لأنَّها صارت مسألة ثانوية . ليس لدي ما أضيفه، فهل لديكم أنتم ما تضيفونه؟