Atwasat

احتواء لا تصعيد

فريد زكريا السبت 18 أكتوبر 2014, 09:57 مساء
فريد زكريا

لقد أخفقت سياسة الرئيس أوباما بشأن سورية منذ البداية؛ نظرًا لوجود فجوة بين الأقوال والأفعال، وهو ما كرره أوباما مجددًا، إذ بعد أن أعلن أن هدف السياسة الأميركية هو «إضعاف، وفي نهاية المطاف تدمير» الدولة الإسلامية، يجد الآن نفسه واقعًا تحت ضغط لتصعيد العمل العسكري في سورية، وهو مسار محكوم عليه بالفشل. والحقيقة أنه ينبغي على الإدارة أن تتخلى عن خطبها الرنانة وتعلن بوضوح أن تركيزها ينصب على اتباع استراتيجية قابلة للتحقيق ضد الدولة الإسلامية؛ ألا وهي الاحتواء.

لا يمكن للتصعيد في سورية تحقيق الأهداف الأميركية، ومن شبه المؤكد أنه سيتمخض عن فوضى وعواقب غير مقصودة. فالواقع الجوهري في سورية أن واشنطن ليس لديها شركاء محليون جادون على الأرض. ومن المهم أن ندرك أن الجيش السوري الحر لا وجود له في حقيقة الأمر، فهناك تقرير صادر عن هيئة أبحاث الكونغرس يبيّن أن هذا الاسم لا يشير إلى أي «هيكل قيادة وسيطرة منظم له نطاق وطني». وقد قال مدير الاستخبارات الوطنية في شهادته إن معارضة نظام بشار الأسد تتألف من 1500 ميليشيا منفصلة. ونحن نطلق على زمرة من هذه الميليشيات، التي تناهض الأسد وتناهض أيضًا الدولة الإسلامية (كما نأمل)، اسم الجيش السوري الحر.

تسيطر الجماعات غير الجهادية فيما بينها على أقل من 5 % من سورية

حسب تقديرات الأكاديمي جوشوا لانديس، الذي تعتبر مدونته «سيريا كومنت» من أهم المصادر، فإن نظام الأسد يسيطر على حوالي نصف الإقليم السوري، وإن كانت نسبة ما يسيطر عليه من السكان أكبر من هذا بكثير، فيما تسيطر الدولة الإسلامية على نحو ثلث البلد، وتسيطر الميليشيات الأخرى على ما يقل قليلاً عن 20 %. لكن كبرى الجماعات وأشدها فعالية من بين هذه الجماعات غير التابعة للدولة الإسلامية هي الجماعات التي تنتمي إلى القاعدة وتعتبر أيضًا من ألدّ أعداء الولايات المتحدة. وتسيطر الجماعات غير الجهادية فيما بينها على أقل من 5 % من سورية. وجاء فيما كتبه لانديس أن واشنطن تساند حوالي 75 % من هذه الجماعات، حسب قيادات المعارضة.

إن أية استراتيجية أميركية قوامها تصعيد الضربات الجوية ضد سورية، حتى وإن كانت مقرونة بقوات برية، سيكون من ضمن ما تتمناه أن تصير أضعف القوى في البلد وأقلها تنظيمًا الأقوى على نحو ما، فتهزم في البداية الدولة الإسلامية ثم تهزم نظام الأسد، وفي أثناء هذه وتلك تحارب وتصد جماعتي جبهة النصرة وخراسان. احتمال حدوث هذا كله بعيد، لكن الأقرب احتمالًا من هذا بكثير أن تسفر عمليات القصف التي تتعرض لها سورية عن فوضى وعدم استقرار على الأرض، مما يزيد من تدمير سورية ويشجع حالة من القتال غير المنظم تكون الغلبة فيه للجماعات الجهادية.

النقاد على يقين من أن هذه السياسة كانت ستكون سهلة منذ ثلاث سنوات عندما كان المعارضون لنظام الأسد أكثر علمانية وديمقراطية. هذا خيال. صحيح أن المظاهرات التي جرت ضد نظام الأسد في الشهور الأولى نظمها فيما يبدو أشخاص يغلب عليهم الطابع العلماني والليبرالي. وقد كان هذا أيضًا صحيحًا في ليبيا ومصر. لكن بمرور الوقت، كانت الغلبة للقوى الإسلامية الأكثر تنظيمًا وحماسًا. وهذا نمط مألوف في الثورات، بداية من الثورة الفرنسية ومرورًا بالثورة الروسية وانتهاء بالثورة الإيرانية، حيث أشعل فتيل هذه الثورات ليبراليون واستولى عليها راديكاليون.

لكي تفلح أية استراتيجية في سورية فلا بد أن تشتمل على مكون عسكري ومكون سياسي. أما العنصر العسكري فضعيف. وأما العنصر السياسي فغير موجود.

السبب الأساسي والحاسم وراء العنف الذي يجري في العراق وسورية هو انتفاضة سُنيّة ضد الحكومتيْن القائمتيْن في بغداد ودمشق اللتين يراهما أهل السنّة كنظاميْن كافريْن معادييْن

السبب الأساسي والحاسم وراء العنف الذي يجري في العراق وسورية هو انتفاضة سُنيّة ضد الحكومتيْن القائمتيْن في بغداد ودمشق اللتين يراهما أهل السنّة كنظاميْن كافريْن معادييْن. وتلك الانتفاضة بدورها أججتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، حيث ساندت كل واحدة من هذه الدول الجماعة السُنيّة المفضلة لديها، وهو ما لم يزد الأمر إلا تعقيدًا. ومن ناحية أخرى، ساندت إيران النظاميْن الشيعيّ والعلويّ، فضمنت بالتالي أن يكون الصراع الطائفي صراعًا إقليميًا أيضًا.

المفترض أن يكون الحل السياسي شيئًا من قبيل ترتيب لتقاسم السلطة في هاتيْن العاصمتيْن، لكن هذا ليس بالشيء الذي تستطيع الولايات المتحدة التكفّل به في سورية؛ فقد جربته في العراق، وعلى الرغم من وجود 170 ألف جندي وإنفاق عشرات المليارات من الدولارات وبراعة ديفيد بيترايوس القيادية، فإن الصفقات التي توسط في إبرامها بيترايوس بدأت تنهار في غضون أشهر من رحيله وحتى قبل رحيل القوات الأميركية بفترة طويلة. فهذا ليس جزءًا من العالم أفلح فيه تقاسم السلطة والتعددية، اللهم إلا لبنان، وقد صار ما صار في لبنان بعد حرب أهلية دموية دامت 15 سنة وأسفرت عن مقتل واحد من كل 20 شخصًا في هذا البلد.

الاستراتيجية الوحيدة ضد الدولة الإسلامية التي تبشر بأية فرصة للنجاح هي الاحتواء، وأعني تعزيز الدول المجاورة (التي تتعرض لتهديد أكبر مما تتعرض له أميركا) التي لديها استعداد للقتال عسكريًا وسياسًا. ومن أهم هؤلاء الجيران العراق والأردن ولبنان وتركيا ودول الخليج. وإن التحدي الأكبر هو حمل الحكومة العراقية على تقديم تنازلات جادة للسنّة بحيث يتسنى تجنيدهم للمشاركة في هذا القتال، وهي ما لم يحدث إلى الآن. كل هذا ينبغي أن يكون مقرونًا بمكافحة الإرهاب، وهو ما يعني توجيه ضربات ضد أهداف الدولة الإسلامية الحيوية، وكذلك اتخاذ تدابير لتتبع المقاتلين الأجانب ووقف تحركاتهم واعتراض أموالهم وحماية الجيران والغرب من التعرض إلى الاختراق من جانب الجهاديين.

تعكف إدارة أوباما على تحقيق عناصر كثيرة من هذه الاستراتيجية، وينبغي أن تكون واضحة فيما يخص أهدافها وأن تتخلى عن خطبها الرنانة التي تجرها إلى التصعيد وتجلب عليها الفشل.

(خدمة واشنطن بوست)