Atwasat

مشكلة الحروب الأميركية محدودة النطاق

القاهرة - بوابة الوسط الثلاثاء 14 أكتوبر 2014, 07:42 مساء
القاهرة - بوابة الوسط

 ماذا يحدث عندما تلتقي خطة أميركية لحرب محدودة ضد جماعة «الدولة الإسلامية» مع الواقع الوحشي للقتال كما حدث هذا الأسبوع عندما قصف المتطرفون مقاتلي الأكراد داخل الحدود السورية مع تركيا؟ ارتفع الصراخ في واشنطن والخارج طلبًا لمزيد من التدخل العسكري الأميركي. هذه هي طريقة تصاعد الصراعات التي تبدأ صغيرة.

إليكم المعضلة التي يواجهها الرئيس أوباما باختصار: لقد اقترح استراتيجية للتعامل مع الدولة الإسلامية، وهذه الاستراتيجية، على حد قول الأستاذ في جامعة هارفارد غراهام أليسون، «محدودة وحليمة ومحلية ومرنة». وهذا النهج المحسوب يبدو منطقيًّا بالنسبة لأليسون، وهو أحد الاستراتيجيين الأكثر خبرة في أميركا؛ لأنه يحدّ من تعرّض الولايات المتحدة لعدو لا يهدد أميركا بشكل مباشر.

تكمن المشكلة في أن التاريخ العسكري، منذ أيام الرومان، يخبرنا بأن الحرب المحدودة نادرًا ما تنجح. وعندما يُجبر صنّاع السياسة على الاختيار بين «فعل كل شيء» أو عدم القيام بأي شيء، فإنهم يميلون إلى خيار وسط هو التدخل الجزئي. ولكن يؤدي هذا الخيار إلى الجمود والتراجع النهائي الذي يدفع جنرالاتنا إلى الجنون. تخبرنا روح المحارب بأنك «إذا كنت في قلب المعركة، فيجب أن تفوز بها»، أما السياسي فيناور حول حوافها.

قال أليسون مؤخرًا في مجلة «ناشيونال إنترست» إنه يتعين على دول أخرى تحمل العبء الأكبر من هذه الحرب «إذا كان أصدقاؤنا وحلفاؤنا الذين تشكّل لهم داعش [الدولة الإسلامية] تهديدًا وشيكًا أو وجوديًّا غير مستعدين للمحاربة بأنفسهم، والقتل والموت دفاعًا عن مصالحهم وقيمهم الخاصة، فيجب على الأميركيين أن يتساءلوا: ولماذا يجب علينا نحن القيام بذلك؟».

ويلخص فريدريك هوف، وهو دبلوماسي أميركي سابق يعمل الآن مع المجلس الأطلسي، المأزق الدموي على الحدود التركية السورية بأنه «غلاية أسماك جميلة»، نقلًا عن عبارة للفنانين الكوميديين ستان لوريل وأوليفر هاردي، ويعني بها أننا أمام «وضع مربك ومحرج وفوضوي ويصعب تهدئته»، في الوقت الذي يقوم فيه الأميركيون والأتراك، الذين يُفترض أنهم حلفاء، بانتقاد بعضهم بعضًا نظرًا لاتخاذ إجراءات غير كافية.

تعتبر تركيا حليفًا عنيدًا ولكن ضروري؛ وعدم القيام بشيء ضد الدولة الإسلامية قرار محفوف بالمخاطر بشكل غير مقبول

يقول الجنرال جورج مارشال: «لا تحارب المشكلة، وإنما عليك بحسمها!». ويعتبر جورج مارشال أحد أكثر القادة العسكريين حكمةً في أميركا. وفي حالة العراق وسورية، يحدد هذا المنطق عوامل الصراع التي لا مفر منها. تعتبر تركيا حليفًا عنيدًا ولكن ضروري؛ وعدم القيام بشيء ضد الدولة الإسلامية قرار محفوف بالمخاطر بشكل غير مقبول، ولكن الحرب الشاملة ليست خيارًا واقعيًّا. ربما بدأت الحملة الأميركية بطريقة غير ملائمة، ولكن ليس هذا سببًا لإثارة الذعر.

عادةً ما يشكّل التاريخ العسكري قصةً من المثابرة والإرادة، بينما يخوض القادة الأشهر الأولى السيئة من المعركة. وتُعد تجربة المارشال في الحرب العالمية الثانية مثالًا كلاسيكيًّا على ذلك، فقد كانت حملات شمال أفريقيا وإيطاليا كارثة تلو الأخرى، كما يشرح ريك أتكينسون في ثلاثيته الرائعة حول الحرب في أوروبا. وتعثرت الولايات المتحدة في البدايات ولكنّها انطلقت نحو النصر في نهاية المطاف.

وتكمن مشكلة أميركا منذ الحرب العالمية الثانية في لجوئها إلى خوض الحروب المحدودة التي اتسمت بنتائج غامضة في أحسن الأحوال. كان هذا هو الحال في كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان. ولم تنجح في تحقيق نصر حاسم إلا في عملية «عاصفة الصحراء» سنة 1991، لكنها حققت أهدافًا محدودةً وواجهت خصمًا ضعيفًا. وكما لاحظ هنري كيسنجر مؤخرًا، فإن إعلان الحرب ضد الدولة الإسلامية يأتي في الوقت الذي تهبط فيه الروح المعنوية للشعب الأميركي بفعل هذه السلسلة من الإخفاقات.

لقد أدى الإحباط الناجم عن هذه الصراعات المخيبة للآمال بالجنرال كولن باول إلى إعلان ما أصبح يُعرف باسم «عقيدة باول»

لقد أدى الإحباط الناجم عن هذه الصراعات المخيبة للآمال بالجنرال كولن باول إلى إعلان ما أصبح يُعرف باسم «عقيدة باول» ومفادها أن أميركا يجب أن لا تذهب إلى الحرب إلا عندما يتم تهديد الأمن القومي الحيوي، ويكون هناك دعم من الناس والحلفاء، وتتوافر استراتيجية خروج واضحة. وكان أوباما، أيضًا، يأمل في تجنب الحروب المحبِطة التي لا تحظى بتأييد شعبي في سورية والعراق. ولكن هذا الحذر، برغم تفهّمه، فتح الباب أمام الدولة الإسلامية.

ويهمني القول بأن هناك مسار واضح أمامنا حتى في وسط الضباب الحالي للسياسة. إن تركيا على حق في طلب إقامة منطقة عازلة في شمال سورية، بحيث تتمتع بنوع ما من حظر الطيران. وينبغي أن تبدأ الولايات المتحدة بتقديم الصواريخ المضادة للطائرات لمقاتلي المعارضة السورية المعتمدين والمدربين من قِبَل وكالة الاستخبارات المركزية. وسيؤدي هذا إلى تعزيز شعبية المتمردين، بالإضافة إلى وقف طائرات الأسد.

إن إقامة مثل تلك المنطقة العازلة سيعطي الولايات المتحدة وقتًا لتدريب جيش المتمردين الذي يمكنه طرد الدولة الإسلامية من شرق سورية والسيطرة على هذه الأراضي حتى تؤدي المفاوضات إلى تأسيس حكومة سورية جديدة يومًا ما. في الوقت نفسه، في العراق، سيستغرق الأمر شهرًا لتدريب القوة السنية التي يمكنها استعادة الموصل والفلوجة، ولكن أوقفت الولايات المتحدة تقدم المتطرفين نحو إربيل وبغداد على الأقل، كما استعادت سد الموصل.

لم يكن أوباما مخطئًا في لجوئه إلى مجموعة محدودة ودقيقة من الأسلحة في هذه المعركة. لكن هذا لا يقلل من الحاجة المطلقة إلى نجاحه بها.

(خدمة واشنطن بوست)