Atwasat

إيران المغيِّر لمجريات الأمور في قتال الدولة الإسلامية

فريد زكريا الأحد 28 سبتمبر 2014, 02:51 مساء
فريد زكريا

لو أن الرئيس أوباما يريد إضعاف الدولة الإسلامية وتدميرها حقًا، فسوف يكون عليه أن يجد سبيلاً إلى التعاون مع إيران، القوة العظمى الوحيدة في الشرق الأوسط، والدولة التي ما زالت أميركا في حالة خلاف معها. سوف يؤدي الانخراط مع إيران -على الرغم من أنه صعب ومعقد- إلى تغيير استراتيجي في مجريات الأمور، كما سيؤتي ثمارًا مفيدة تنتشر عبر المنطقة من العراق إلى سورية إلى أفغانستان.

نحن الآن في مرحلة القوة الجوية من الحملة ضد «الدولة الإسلامية»، وعادة ما تمضي هذه الأعمال على ما يرام، وإن شئت عد بذاكرتك إلى الحروب الجوية ضد أفغانستان والعراق وليبيا؛ حيث تملك الولايات المتحدة العتاد الأكثر تقدمًا في العالم من طائرات وصواريخ وطائرات دون طيار، إلى جانب قواتها المسلحة التي تتمتع بمقدرة غير عادية. لكن ما يأتي بعد ذلك يكون في العادة يكون فوضويًا، وإن شئت عد بذاكرتك إلى أفغانستان والعراق وليبيا؛ حيث تضطر القوات البرية إلى خوض قتال ضد الأهالي ومحاربي العصابات في حرب غير نظامية، وهنا يتبين أن الأسئلة الأهم هي أسئلة سياسية. فهل ستقاتل الجماعات والعشائر والطوائف المحلية في صفوف الأميركيين أم ضدهم؟ وأي نوع من صفقات تقاسم السلطة يجب إبرامه لجعل هؤلاء يؤيدون الجهود الأميركية؟

تتمتع الولايات المتحدة ببعض النفوذ لدى الحكومة العراقية لكن إيران تتمتع بنفوذ أكبر منها بكثير لديها

في العراق، تظل المشكلة المحورية هي عدم شعور السُّنة بأنهم ممثَّلون في حكومة بغداد، وما فتئ أوباما يقول إن هناك حكومة جديدة في العراق، لكن الإشارة ضمنًا إلى أنها حكومة شاملة للكافة إنما هي كذب؛ حيث ما زال السُّنة يشغلون مناصب شرفية لا تنطوي إلا على القليل من الصلاحيات، وما زال الجيش واقعًا تحت هيمنة الشيعة في صفوفه العليا، والنتيجة واضحة على الأرض. وقد أوضح مقال نشر حديثًا في صحيفة «نيويورك تايمز» أن «قوات الحكومة العراقية، وبعد ستة أسابيع من الضربات الجوية الأميركية، بالكاد زحزحت المتطرفين السنة التابعين للدولة الإسلامية عن سيطرتهم على أكثر من ربع البلد، ومن أسباب هذا أن كثيرًا من العشائر السنية حاسمة الأهمية ظلت على الحياد».

تتمتع الولايات المتحدة ببعض النفوذ لدى الحكومة العراقية، لكن إيران تتمتع بنفوذ أكبر منها بكثير لديها؛ فقد ظلت الأحزاب الدينية الشيعية التي تدير البلد اليوم تتلقى تمويلها من إيران عقودًا من الزمن، كما عاش زعماؤها في طهران ودمشق أثناء الفترة الطويلة التي نفاهم فيها نظام صدام حسين. وعندما سعت واشنطن إلى إزاحة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، كانت إيران هي التي قدمت الدفعة التي أسفرت عن ذلك، ولو أن الهدف هو حمل الحكومة العراقية على تقاسم مزيد من السلطة مع السُنّة، فإن المساعدة الإيرانية ستكون ذات قيمة عظيمة وربما لا غنى عنها.

وفي سورية تتسم استراتيجية واشنطن بعدم الترابط؛ فهي تسعى إلى تدمير «الدولة الإسلامية» هناك ومهاجمة «جبهة النصرة» و«جماعة خراسان» لكن -على نحو ما- دون تقوية الخصم الرئيس لهذه الجماعات وهو نظام بشار الأسد، وهو شيء مستحيل؛ ففيما تخسر هذه الجماعات الإرهابية ما بين أيديها من أرض، فإن الجيش الذي سيستفيد بأسهل ما يكون وسيكون جيش النظام السوري لا الجيش السوري الحر غير المنظم والضعيف. ولو أن ثمة سبيلاً ما لتخفيف ما في هذه الاستراتيجية من تناقض، فسيكون هذا السبيل هو السعي إلى صفقة ما لتقاسم السلطة في سورية تشمل عناصر من حكومة الأسد، من قبيل الجنرالات ورؤساء الاستخبارات، لكن واشنطن لا اتصالات لديها مع أحد في نظام الأسد ولا تتمتع بأي مصداقية لدى أحد فيه، والحكومة التي لديها هذه الاتصالات وتتمتع بهذه المصداقية موجودة في طهران.

وفي أفغانستان، دائمًا ما كانت مصالح واشنطن وطهران متطابقة؛ حيث عارضت إيران حركة طالبان، وساعدت على طردها من الحكم، وتعاونت مع الولايات المتحدة في مؤتمر بون -الذي عقد بعد سقوط طالبان- لتنصيب حكومة حامد كرزاي الأفغانية الجديدة. وفيما تواجه أفغانستان مستقبلاً يكتنفه الغموض في ظل اتفاقية متداعية الأركان لتقاسم السلطة، سوف تكون المساعدة الإيرانية قوة تثبيت كبيرة.

لا شك أنه سيلزم تنسيق الانخراط مع إيران بشكل متروٍّ مع المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى، لكن هذه الدول تشترك الآن مع إيران في عدو مشترك يتمثل في الدولة الإسلامية وما على شاكلتها من جماعات، وهذا الانخراط لن يكون تقاربًا؛ إذ هناك كثير جدًا من القضايا التي تفرق بين إيران والولايات المتحدة، ما لم تشهد الأمور تغيرًا حقيقيًا في طهران.

قال لي الرئيس الإيراني حسن روحاني هذا الأسبوع إنه توافق مع أوباما في المحادثة الهاتفية التي جرت بينهما العام الماضي، «على أن هناك كثيرًا من المجالات التي يمكن لإيران والولايات المتحدة أن تتعاونا فيها»، لكن «لا بد أولاً من اجتياز القضية النووية»، وقد طلبتُ من الرئيس روحاني أن يصف لي ملامح هذا التعاون -على افتراض إبرام الصفقة النووية- فاستشهد لي بمثل إيراني يقول فيما معناه «اعتن أولاً بالطفل الذي لديك قبل أن تبدأ في التفكير في الطفل التالي».

عندما انتهى ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر في سبعينات القرن الماضي أن إيران ستكون من بين «شُرطييهما الإقليميين»، فإنهما فعلا ذلك انطلاقًا من اعترافهما بأهمية إيران الاستراتيجية، لا لمجرد أنهما كانا يساندان شاه إيران. وينوه الأكاديمي الإيراني الكبير والي نصر بأن الولايات المتحدة إذا كانت «تريد الحد من إدارتها التفصيلية لشؤون الشرق الأوسط، فسيكون لزامًا عليها أن تجد بلدانًا مستقرة ومتنفذة وفعَّالة تستطيع العمل معها، وإيران على الأرجح واحدة من هذه البلدان». لكن كما قالها روحاني واضحة، كل هذا يعتمد على الصفقة النووية.

(خدمة واشنطن بوست)