Atwasat

الليبيون والماء

عمر أبو القاسم الككلي الأربعاء 24 سبتمبر 2014, 01:51 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

منذ عدة سنوات أخبرني صديق مهتم بالآثار والتاريخ الليبي القديم، وله في ذلك مؤلفات بأن معنى كلمة «الليبو» التي تتسمى بها إحدى القبائل الليبية القديمة والتي اشتق من اسمها، فيما بعد، اسم ليبيا يعني: الذين يلوبون حول الماء ولا يصلون إليه!

بالطبع هذا التفسير عسير الهضم لأنه يفترض وجود وشائج وطيدة بين لغة قبيلة الليبو القديمة واللغة العربية. (على أية حال هذا من اختصاص الألسنيين)، إلا أنني أجد أن الكلام ينطبق فعلاً على تاريخ الليبيين. ذلك أنهم، طوال تاريخهم، لم يهنأوا بحياة سياسية واجتماعية واقتصادية آمنة تمكنهم من تنظيم حياتهم بالتحكم في حاضرهم والتخطيط لمستقبلهم، ولا تتمتع مؤسساتهم السياسية والعمرانية(بلغة ابن خلدون) بالعراقة، بل تبدأ من نقطة الصفر، تقريبًا، في كل مرة.

تذكرت كلام هذا الصديق الآن وأنا أتمعن فيما يجري على أعصاب الليبيين وأرواحهم من أحداث مرعبة، من الاختطاف والاغتيال والترويع والاحتراب والقتل والقصف العشوائي وتدمير أحياء بكاملها وتهجير أهلها وتدمير المنشآت الحيوية وغير الحيوية. عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ومبتوري الأطراف والأرامل والأيتام، ومئات الآلاف من المهجرين والنازحين في الداخل والخارج، وما من أمل في الأفق المنظور بعودة الأمان وتحقيق الاستقرار وتوفر ظروف الحياة الإنسانية الكريمة، في حدها الأدنى. لقد كنت، حتى وقت قريب، متفائلاً بمستقبل البلاد وأجادل المتشائمين من أبنائي وأصدقائي ومعارفي بأن ما يجري هو مخاضات فترة انتقالية ومن المؤكد أنه في النهاية سيتغلب ميل الغالبية إلى الاستقرار وأمن وسلامة أسرهم والتمتع بثرواتهم الوطنية على ميل الأقلية إلى زعزعة الاستقرار والفوضى والاستبداد والتنعم على حساب الآخرين، لا بد من تغلب العقل والتعقل، في النهاية، وإدماج المصلحة الذاتية (ولا أقول نكرانها) في إطار المصلحة العامة، كنت أقول.

لكن مع تفاقم المساوئ المتسارع صرت أرى أن الليبيين لم يعودوا يلوبون حول الماء، وإنما أخذوا يتراكضون بعيدًا عنه نحو مجاهل العطش والتيه والهلاك، البلاد لم تعد على حافة الهاوية، لقد أصبحت تنحدر فيها بالفعل.
أتمنى أن يحدث في الأيام القليلة القادمة ما يجعلني أستعيد(ولو قدرًا من) تفاؤلي.