Atwasat

حناش.. وقاكم الله!

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 17 سبتمبر 2014, 09:24 صباحا
محمد عقيلة العمامي

الشاعر الإنجليزي (وليم بليك) له قصيده اسمها الشجرة المسمومة، كتبها سنة 1794م. قال عنها النقاد إنّها من القصائد العبقرية التي وظّف فيها الجناس (alliteration) فوصل لنا حرف (S) بامتداد كلمات القصيدة كفحيح أفعى وكان ذلك هو المطلوب.

المتأمّل في سورة "قل أعوذ برب الناس" ينتبه إلى تكرر حرف (السين). ولو قرأنا السورة بتأنٍ لانتبهنا إلى أن هذه السين تبدو بامتداد السورة وكأنها فحيح أفعى. القرآن الكريم، إذن، سبق (العباقرة) من الشعراء في بلاغته وحجته! فحرف السين، في الخناس الوسواس، الذي يوسوس في صدور الناس وصلنا كفحيح الأفعى، التي نعرف علاقتها الوثيقة بالتمسح والتسلل، والخسة والغدر والشر والجشع والانتهازية.

ولكن المتخصّصين يقولون إنَّ الحنش أو الثعبان، حيوان رومانسي جدًا.. يغازل أنثاه بالرقص ثم المداعبة! رغم أنه أصم لا أذن له: موسيقاه داخلية، فهو لا يملك القدرة على سماع صوت غير صوته، ولا لحن غير لحنه. عيناه لا ترمشان أبدًا، لأنهما من دون جفون.. بطنه هي وسيلة سمعه فينتبه لأقل ذبذبة على الأرض، بسبب هذه (البطن) الحساسة جدًا، الملتصقة بالأرض، فهو يتصرّف ويتحرّك، إذن، وفق حساسية وحاجة بطنه! لسانه هو وسيلته في الاقتراب من مصلحته، فهو يلتقط أبسط الأشياء بأطراف هذا اللسان المتأهّب، دقيق الحساسية من الجو، ومن الأرض، والماء أيضًا.

بل إنْ قابلك حنش وأنت في طريقك إلى بيتك فحيِّه وامضِ في حال سبيلك، فقد يكون في طريقه إلى (اجتماع)

الحنش إذن ظاهرة لسانية، تصل إلى (مصالحها) بواسطة لسانها! وهو يتموّج فوق الأرض، وينزلق في نعومة مستغلاً نتوءات سطح الأرض و(مشاكلها) من حفر، ومطبات، فيتحرك برأسه وقشوره نحو غايته بتمهل، ولكن إن كان ثمة حاجة للسرعة، فإن سرعته تصل حوالي 30 كلم في الساعة الواحدة! والحنش بسبب مثابرته، وبطنه ومعدته القادرة على التهام ما يسد جوعه لأشهر.. والقادرة على هضم العظام والشعر والجلود، يكتنز بتواصل حياته، فيضيق جلده ولا يسعه، فيغيره بسهولة، بجلد ثانٍ يتوافق مع وضعه الجديد! ومعظم الحيوانات، بمن فيها الإنسان، فكها العلوي لا يتحرك، بل لا فائدة منه من دون الفك السفلي، ولذلك نحن نصف من لا فائدة منه بأنه (حنك فوقاني)، ولكن حنك الحنش الفوقاني، حنك فعال متحرك فكلا الفكين يعمل منفصلاً وباقتدار! ولا أعرف حيوانًا آخر له هذه الخاصية غيره، ولهذا فهو قادر على ابتلاع حيوان أضخم منه، ويستطيع أن يبتلع (ميزانية) كاملة أو بنكًا، أو حتى مقدرات بلد كامل.. وسم بعض الثعابين يقتل في الحال، وآخر يحتاج إلى وقت، ولذلك ينصح المتخصّصون ألّا ننزعج من عضة حنش سام، فالانفعال يساعد على انتشار السم، ولذلك يجب على المعضوض، خصوصًا في ليبيا! أن يهدأ ولا يقلق، ما عليه سوى امتصاص مكان العضة ولا يقترب ثانية من (مجلس) أو حفرة، أو ماخور حناشة.. بل إنْ قابلك حنش وأنت في طريقك إلى بيتك فحيِّه وامضِ في حال سبيلك، فقد يكون في طريقه إلى (اجتماع)، أو موعد، أو رقصة غرامية، فلا تفسدها عليه فيغضب وقد يلدغك من بُعد! فبعض الثعابين قادرة على قذف السم من بعد!

كنت أعرف صديقًا ثعبانيَّ السلوك، اسمه حنش، يزداد ثراءً كل يوم، وأنا أعرف أنه لم يرث شيئًا، ولم يقترب – مباشرة - من خزينة عامة، مطلقًا، وإنْ كان قد اقترب ممن يعملون فيها! فسألته، بحسن نية، عن نجاحه في تحقيق هذا الثراء، قال لي:

- إنّه لم يدخن سيجارة اشتراها بماله!

- يحلق ذقنه، بأمواس أخيه!

- يتحصّل على ملابسه كلما رافق أحدًا ودعاه لانتقاء قميص، أو رباط عنق مثلاً.

- لم يسافر خارج البلاد من دون مهمة رسمية.

- لا يرتاد المقاهي والمطاعم إلّا في المهمات، والزيارات الرسمية.

- يأكل ما يقدم له، حتى وإن لم يكن جائعًا!

قلت له ساخرًا، في الأخيرة فقط، خالفت حناش العالم كلها، أجابني:" لا.. هي التي خالفتني!"وقانا الله، ووقاكم، من ثعابين صالات الاجتماعات والمجالس وصالونات الفنادق ولجان معالجة الأزمات، وبالطبع صناع الثورات أو الأزمات فلا فرق!