Atwasat

مميزات أوباما كمحارب متردد

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 14 سبتمبر 2014, 10:30 صباحا
القاهرة - بوابة الوسط

لا شك أن الرئيس أوباما لم ينطلق بحثًا عن حرب أخرى في منطقة الشرق الأوسط. والحقيقة أنه شوه نفسه إلى أقصى حد كي يتفادى حربًا أخرى. ولكن كما فسَّرَ لأميركا ليلة الأربعاء، لم يكن لديه أي خيار سوى الاستجابة «بقوة وحسم» لتنظيم «الدولة الإسلامية» البربري الذي يعيث فسادًا في العراق وسورية.

إن قرار أوباما محاربة «الدولة الإسلامية» يمنحه فرصة لإعادة ضبط القيادة الأميركية ورئاسته بعد الشكوك المتزايدة داخليًّا وخارجيًّا حيال ما كان مستعدًا للقتال من أجله. وحذره الفطري الآن يمثل تطمينًا بأنه سيدخل تلك الحرب بعقلانية، ويعقد شراكات مع الحلفاء في المنطقة بطريقة لا تُفاقم من مشاكل الولايات المتحدة بلا داعٍ مع العالم الإسلامي.

يعد ستيفن هادلي، الذي كان مستشارًا للأمن القومي للرئيس جورج دبليو بوش، بالكاد داعمًا لأوباما. لكنه أثنى ثناءً عظيمًا على الرئيس نظرًا «للكلمة الرائعة» التي ألقاها وفسَّر فيها التهديد الحالي، وكيف يعتزم مواجهته.
ولاحظ هادلي أن موقف أوباما كمحارب متردد سيساعده على طمأنة الأجانب والأميركان على حد سواء من أن الجهود الأميركية ليست حَملة أميركية صليبية طائشة من طرف واحد.

وقال هادلي في مقابلة شخصية: «سيشكل حلفًا، وسيحاول أن يضع حلفاءه في المقدمة. وستظل معركة أميركية، لكنها لن تبدو كذلك إلى حد كبير، وهذه نقطة قوة في واقع الأمر. سيقل قلق الناس بشأن تبعاتها الخطيرة لو كان على رأس هذه الحملة لأنه مترددٌ في ما يتعلق بموقفه الحالي».

قرار أوباما بمحاربة الدولة الإسلامة يمنحه فرصة لإعادة ضبط القيادة الأمريكية بعد الشكوك حيال ما كان مستعدًا للقتال من أجله.

بالنسبة للبيت الأبيض الذي طالما جاهد من أجل تنفيذ سياسة خارجية بشكل نزيه، كان هذا الأسبوع استثناءً ملحوظًا. كانت عملية التمهيد سلسة، فقد تشكَّلت حكومة وحدة عراقية عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وتناول الرئيس العشاء ليلة الاثنين برفقة خبراء بالسياسة الخارجية، وأخطر قادة الكونغرس الأميركي الثلاثاء بالمستجدات، ثم خاطب الأمة. يجب على فريق أوباما الحفاظ على هذه الوتيرة وهذا الزخم.

لقد تعرَّض أوباما لنقد شديد على مدار العام المنصرم بسبب سياسته الخارجية المتساهلة والمتفادية للأخطار حتى أن البعض استدل بتلك السياسة على ضعفه واستكانته. وجزء من النقد كان مستحقًا، فقد كان على أوباما أن يلتمس مزيدًا من الدعم للمعارضة السورية في وقت أسبق، وكان عليه أن يرفض رئيس الوزراء العراقي الاستقطابي الطائفي نوري المالكي منذ فترة طويلة. لقد سمح هذان الخطأن لـ«الدولة الإسلامية» بتأجيج الغضب السُّنيّ في سورية والعراق بحيث صار أكثر سُميَّة. ولم تكن هذه الكارثة حتمية.

قد يمثل تفضيل أوباما العمل عبر الحلفاء، وهي السياسة التي يسخر منها النقاد باعتبارها «قيادة من وراء الكواليس»، ميزة في الوقت الراهن. وتستطيع الولايات المتحدة استخدام قوتها الجوية لتقويض «الدولة الإسلامية» لأنها مدعومة من حلفاء بالمنطقة، ألا وهم السعودية وتركيا والأردن والإمارات العربية المتحدة و(ضمنيًا) إيران. وتستطيع الولايات المتحدة الأميركية تفادي معركة برية كبرى لدرجة أنها تجند قوات أخرى على أرض المعركة من حلفائها الإقليميين.

وهذا الغطاء الإسلامي ضروري إذا كانت الولايات المتحدة ستحارب في الجولة الثانية من الحملة ضد الجهاديين دون أن تقترف أخطاء العقد الماضي.

وهناك فرصة أخرى مستبعدة لأوباما تتمثل في أن «الدولة الإسلامية» تُعد عدوًا مشتركًا لخصوم سابقين، كالسعودية وإيران أو تركيا وكردستان العراق. وهناك بالفعل مؤشرات طفيفة على التراضي؛ فقد قام نائب وزير الخارجية الإيراني أخيرًا بزيارة السعودية، ونشرت الصحيفة المفضلة لدى «حزب الله» في بيروت حديثًا يحمل مديحًا نادرًا للقائد السُّنيّ سعد الحريري.

يعقد أوباما الآمال على أن المعركة المشتركة ضد الدولة الإسلامية قد تفتح المجال لحوار إقليمي .

ويعقد أوباما الآمال حقًا على أن المعركة المشتركة ضد «الدولة الإسلامية» قد تفتح المجال لحوار إقليمي ربما يُجَسِّر تدريجيًّا الفجوة الطائفية بين السُنَّة والشيعة التي انسلت منها السموم.

إن أخطر جوانب السياسة الأميركية هو المتعلق بالاستراتيجية تجاه سورية. فأوباما يعقد الآمال على معارضة معتدلة تعثرت بشدة على مدار العامَيْن المنصرمَيْن. وستقصف الولايات المتحدة الملاذات الآمنة لـ«الدولة الإسلامية» في سورية، ولكن هل يمكن أن يستغل المعتدلون الفرصة ويصمدون بينما يتراجع الجهاديون؟ ربما ليس في البداية، لكنهم سيتقدمون في ظل التدريب الأميركي. هذه معركة من الممكن أن تستمر لسنين لا لأشهر.

وهناك ميزة أخيرة لأوباما، وهي أنه يبدو متفهمًا للحظة التاريخية التي ظهر في كنفها كابوس «الدولة الإسلامية»، فالنظام القديم في الشرق الأوسط ينهار، والجديد لم يظهر بعد. وهذا يفتح المجال أمام المتعصبين الدينيين الذين يقتاتون على الغضب الشعبي لمنطقة غير محكومة.

يسعى أوباما وسط هذه الفوضى إلى الحيلولة دون أسوأ النتائج، دون الأمل الزائف بأنه بصدد خلق نظام ديموقراطي جديد برَّاق. فالعراق لن يتغير، لكن أوهام العام 2003 تبددت.
(خدمة واشنطن بوست)