Atwasat

هل هي صحوة سُنيّة ثانية؟

فريد زكريا الأحد 31 أغسطس 2014, 01:45 مساء
فريد زكريا

ما هي نقاط القوة في جماعة «الدولة الإسلامية»؟

طرحتُ هذا السؤال على اثنين من المراقبين المطلعين على بواطن الأمور؛ أحدهما دبلوماسي أوروبي والآخر مسؤول أميركي سابق، وكانت الصورة التي رسماها أمامي مثيرة للقلق، ولكن ليس ميؤوسًا منها. فهزيمة هذه الجماعة تتطلب جهدًا استراتيجيًّا كبيرًا ومتواصلاً من إدارة أوباما، ولكن يمكن تحقيق ذلك دون قوات برية أميركية بأعداد كبيرة.

يقوم الدبلوماسي الأوروبي، المتمركز في الشرق الأوسط، برحلات داخل وخارج سورية ولديه إمكانية وصول إلى قوات النظام والمعارضة. وهو يتفق مع الإجماع على أن «الدولة الإسلامية» قد اكتسبت قوة اقتصادية وعسكرية كبيرة في الأشهر الأخيرة. وتشير تقديراته إلى أن الدولة الإسلامية تجني مليون دولار يوميًّا في كل من سورية والعراق على حدة من خلال بيع النفط والغاز (على الرغم من أن الخبراء الأميركيين يعتقدون أن هذا الرقم مرتفعٌ جدًّا في العراق).

تتسم الاستراتيجية العسكرية لـ«الدولة الإسلامية» بالوحشية ولكنها ذكية أيضًا. وتعطينا التقارير السنوية للجماعة نظرة تفصيلية على أساليبها العسكرية وعملياتها الناجحة، حيث كانت قد أصدرتها منذ العام 2012 لإقناع الممولين والداعمين. وتتسم لقطات الفيديو المنشورة لها على الإنترنت وتبيِّن عمليات الإعدام التي نفَّذتها بأنها همجية، ولكن لها أغراضًا استراتيجية أيضًا، حيث تهدف إلى زرع الرعب في نفوس المعارضين، الذين، عندما يواجهون مقاتلي الجماعة في ساحة المعركة، يُقال إنهم يلوذون بالفرار بدلاً من القتال.

ولكن أخطر ما في «الدولة الإسلامية»، حسبما يعتقد هذا الدبلوماسي، هو جاذبيتها الأيديولوجية. فقد جنّدت المهمشين والساخطين من شباب السنّة في كل من سورية والعراق الذين يعتقدون أنهم يرزحون تحت حكم أنظمة مرتدة. وقد راق هذا الرأي لكثير من أهل السنّة بسبب السياسات الطائفية للحكومتَيْن العراقية والسورية. ولكن نجحت الدولة الإسلامية أيضًا نظرًا للانهيار الأكبر للمؤسسات والجماعات المعتدلة والعلمانية بل والإسلامية- مثل الإخوان المسلمين- في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

كيف يمكن التعامل مع هذا التحدي؟
ينصح المسؤول الأميركي، وهو شخصٌ بارزٌ سابقٌ بالإدارة الأميركية، بعدم التشاؤم، حيث يقول «إن الجماعة الإسلامية ليست بقوة تنظيم القاعدة في العراق إبّان ذروته»، مقللاً من أهمية التقارير الأخيرة التي تشير إلى امتلاك الجماعة المسلحة عناصر مخيفة من جيش صدام حسين المنحل. «لقد قاتلنا هذا الجيش ولم يكن مؤثرة جدًّا». يمكن هزيمة الدولة الإسلامية، كما يقول، ولكن سيستغرق الأمر وضع استراتيجية شاملة ومستدامة، مثل تلك التي قوضت التمرد في العراق.

وتابع المسؤول الأميركي السابق قائلاً: «إن المهمة الأولى هي السياسية»، دعمًا لجهود الإدارة الأميركية في الضغط على الحكومة العراقية لتصبح أكثر تنوعًا وشمولاً. «لدينا مزيدٌ من النفوذ الآن أكثر من أي وقت في السنوات الأخيرة، وتستغل الإدارة تلك النقطة». إذا استمر هذا الوضع، فستكون الخطوة المقبلة هي إنشاء قوات برية أقوى وأكثر فعالية يمكنها هزيمة الدولة الإسلامية، لن يتم الاعتماد على «الجيش السوري الحر»، بل إعادة تشكيل الجيش العراقي. لقد قامت أميركا بإنشاء هذا الجيش وتدريبه وتجهيزه، «ويتضمن بالفعل وحدات خاصة فعالة جدًّا». وقال أيضًا: «لقد تلقت القوات الخاصة العراقية تدريبها في الأردن وهم مثيرون حقًا للإعجاب»، مشيرًا إلى أن تلك القوات هي التي استعادت سد الموصل أخيرًا. لم تُظهِر هذه القوات مستواها المعروف لأن رئيس الوزراء نوري المالكي وقتذاك قد حوَّلها في السنوات الثلاث الماضية إلى قوة طائفية موالية لحكومته.
إن إعادة تشكيل وحدات الجيش العراقي ستتطلب تسريح القادة الشيعة الذين عيَّنهم المالكي. وهذا يعكس الزيادة التي حدثت في أعداد القوات، والتي تم خلالها استبدال 70% من قادة الكتائب العراقية لإنشاء قوة قتالية أكثر شمولاً وفعالية.

وبمجرد أن يصبح الجيش العراقي ذا فعالية قتالية، حسبما ذكر المسؤول الأميركي الكبير السابق، يجب أن يوظّف استراتيجية «البقع النفطية» التي تقضي بتنظيف الأراضي والاستيلاء عليها. ولكن المفتاح لتحقيق ذلك هو كسب ثقة السكان السنّة المحليين. ويمكن استخدام هذا النهج ذاته في سورية، بتمويل «الجيش السوري الحر» بالمال والحماية لاستمالة السكان المحليين الذين يعارضون الأسد ولكنهم يتحالفون الآن مع الدولة الإسلامية بدافع الخوف وليس الاقتناع.

لقد اتفق المراقبان المطلعان على خطر مركزي واحد.

وتشير وسيلة الإغراء لتحقيق انتصارات عسكرية مباشرة إلى أن الولايات المتحدة سوف تنهي شراكتها ضمنيًّا مع نظام الأسد في سورية. وسيؤدي هذا إلى مكسب عسكري على المدى القصير وكارثة سياسية على المدى الطويل. وأفاد الدبلوماسي الأوروبي: «هذه الخطوة ستغذي فكرة أن السُنّة في وضع سيئ وأن التحالف الصليبي المسيحي الشيعي يعرِّضهم للاضطهاد وأنه يجب على أهل السنة جميعهم مقاومة هذا الغزو الأجنبي». وتابع قائلاً: «الحل هو أن يكون أهل السُنّة في مُقدِّمة المواجهين للدولة الإسلامية. يجب أن يكونوا في مُقدِّمة ساحة المعركة».

إن الاستراتيجية التي يمكن أن تنجح ضد «الدولة الإسلامية» ليست بأقل من صحوة سنية ثانية. وهذا بمثابة تحدٍ كبير ولكن يبدو أنه الخيار الوحيد الذي يحظى بفرصة معقولة للنجاح.