Atwasat

خرجت قسورة بخفي «حنين»

محمد اقميع الأحد 31 أغسطس 2014, 08:57 صباحا
محمد اقميع

عزيزي القارئ إن كنت «قسوريًا» أو تورطت بأن تكون أحد جند ميليشياتها فأنصحك قبل أن تقرأ هذه الأسطر «بميكانزيم النكران» فهو إحدى الحيل الدفاعية النفسية الفاعلة للنجاة من ألم مواجهة الحقيقة. والوحيد الذي يساعدك على الاحتماء بمتلازمة (لوم الضحية DARVO) من أجل تحويل «طرابلس الضحية» إلى «مجرمة» وبأنك كنت ضحية بريئة لجريمة صمتها، وخوفها، ووداعتها. واعلم أن النكران وحده ما يساعد المجرمين على القضاء على ما تبقى داخلهم من إنسانية تكدر صفو نشوة التدمير والسلب والنهب والانتقام.

فلا أزلام ولا لواء 32 معزز ولا خميس ولا أي من أقدامه المتناثرة في كل القرى والمدن الليبية، كان من أهداف هذه الحرب. فقد انبلج فجر التحرير المزعوم على إعلان «انقلاب ميليشيات الإخوان» على السلطة المُنتخبة. بعد حملة إعلامية مكثفة من صب اللعنات والشتائم على الانقلابات والانقلابيين والتغني باحترام الشرعية المنتخبة وخيارات الشعب عبر الصندوق؛ وتكريس الخوف في نفوس «أشاوسهم» من العسكر و «فوبيا السيسي» واللطم على خدودهم رعبًا وحسرة على فبراير ومبادئها «المجهولة» التي ستضيع تحت أقدام العسكر. حتى كشرت «فجر ليبيا» عن أنيابها الانقلابية؛ معلنة بكل وقاحة وبعد أن خلت لها الساحة في طرابلس الأسيرة: «أن من يملك السلاح ويسيطر على الأرض هو من يحكم البلاد». لا غرابة، فهوس السلطة يعمي الأبصار والقلوب.

والمحزن أن طرابلس مرة أخرى تتحول إلى غنيمة كبرى ينهشها جنود المفتي وتوزعت أملاك الدولة وأملاك قاطنيها بين أولئك المراهقين المجرمين من مجندي ميليشيات الإخوان. ولم تترك قسورة بعد غزوات السلب والنهب والحرق لمفتي الحروب الليبية ما يدافع به عن نفسه أمام الليبيين ومحاكمهم؛ وقد حمل الشيخ الكهل على كتفيه فضيحة وجريمة أخرى لن ينجو من تبعاتها وإثمها وإن كان الدين لا يعني له شيئًا غير كونه وظيفة يقتات منها، فسيكمل عمره مطاردًا من قبل المحاكم المحلية والدولية.

مطار طرابلس العالمي أصبح أثرًا بعد عين، كومة من رماد، ويهتف بادي وجنده مهللين بالنصر وتحرير طرابلس من مطارها المدني الوحيد ليتحول إلى ركام ورماد. حتى تمثال الغزالة لم يسلم من جنود قسورة فقد تم اغتيالها بقذيفة مزقت أحشاءها؛ بحجة أنها تمثال عارٍ وبأنها تمثل إحدى آلهة الإغريق القدامى، حسب تبريرهم ليؤكدوا فعلاً أنهم يعانون متلازمة (لوم الضحية) وكذلك تدمير وسرقة أكبر مكتبات طرابلس من قبل مغـول العصر. هذا إضافة لحملة الاغتيالات والاعتقالات الواسعة والمداهمات لمنازل النشطاء والإعلاميين والحقوقيين.

طرابلس تُغتال بصمت مريع ووسط تعتيم إعلامي مفروض بقوة السلاح. فقد اقتحموا ودمروا مقرات كل الفضائيات المُعارضة لانقلاب ميليشيات الإخوان ولم يبقَ سوى «النبأ» و«ليبيا الأحرار» تتبادلان الأكاذيب حول نعيم طرابلس المزعوم في ظل انقلاب «أبو سهمين» وعودة الحياة الطبيعية والسعادة، والرخاء يعم البلاد. ولكن حتى أخبار قنواتهم تتجنب فتح الكاميرات في شوارع طرابلس أو التواصل مع المنكوبين من أهلها. ولكن نُحذِّر هذه الفضائيات وعامليها من أنهم سيواجهون بالفعل مصير رفاقهم من مجرمي إعلام الحرب في رواندا ولن تشفع لكم الدول ولا رجال الأعمال الذين يمولونكم، فسيقولون لكم إنهم منكم براء.

كل هذا العنف والإرهاب المجنون كان انتحارًا حقيقيًا وهزيمة لمشروعهم المتهور. لقد وقعت ميليشيات الإخوان وحلفاؤهم في شر أعمالهم، وأصبحوا مجرد عصابة مجرمة مطلوبة للعدالة المحلية والدولية، حتى بالنسبة لمجلس الأمن، وما كان الله ليغفر لهم ما اقترفوه بحق الإسلام من تشويه، وأذى، وتحويلهم الدين إلى مجرد سلعة وقناع يخدعون به البسطاء من الناس. ولذلك لم تخرج قسورة ومفتيها وقادتها وجندها من هذه الحرب إلا بخفي «حنين» وحتى خُفَّا حنين لن تُستخدما إلا لطرد هذا المؤتمر الذي أصر ألا يغادرنا إلا على جثث أبنائنا. والذي بدأ ولايته بحرب قبلية وأنهاها بحرب قبلية أخرى أكثر شراسة وعنفًا. وما بين الحربين أسوأ ما مرّ على هذه البلاد من قهر وحرمان وبؤس وظلم وخوف. فكان كل مغنمهم من هذه الحرب المدمرة هو انتظار السجن والمحاكمة على ما اقترفوه في حق ليبيا والليبيين.

ما دمرته قسورة المجنونة سيعيد الليبيون بناءه بعزمهم وصبرهم، ولكن، ما يحزننا هو ما تسببت به هذه العصابة المجرمة من شرخ في النسيج الاجتماعي والإساءة البالغة التي تعرضت لها مدن بأسرها والتي خاضوا هذه الحرب الملعونة محتمين باسمها، ما الفائدة التي عادت على تلك المدن التي سمحت لشلة فاسدة بتشويهها وتلويثها بأطماعهم؛ ولكن، ليس أمام الليبيين اليوم إلا التحلي بالشجاعة الحقيقية لمواجهة كل منا لخطيئته في حق ليبيا، واستعادة قيم الشهامة والنبل وفضيلة الاعتراف بالذنب التي انقرضت بسبب التعنت وتأجيج الأحقاد وروح العدوان والظلم وأطماع السلطة. إننا جميعًا ننتمي لليبيا وليبيا وحدها الباقية، أما الانتماء لتواريخ الحروب والانقلابات فهو مسلك ذميم وفاسد ولن يوصلنا إلا إلى مزيد من لعنات الحروب الغبية والاقتتال. فأسوار النكران المنيعة التي يختبئ خلفها الواهمون لن تصمد طويلاً.