Atwasat

سادة الوظائف

سعاد سالم الخميس 06 فبراير 2014, 06:35 مساء
سعاد سالم

التاسعة إلا ربع وطاولة الموظفة في البنك الذي به حسابي لا تزال خالية. بعدما جلست في انتظارها قررت أن أبلغ نائبة المدير بهذا التعطيل، فاعتذرت مطولًا وأتت بأكثر من شكوى قالت إنها سجلتها شخصيًا على أدائها. وطلبت منّي بكل أدب أن أتحلى ببعض الصبر، بعد أن كنت على مشارف نفاد ذات الصبر المطلوب حين شاهدت الصبية داخلة بكوب القهوة وكيس صغير خمنت أنه إفطارها.

أخيراً، وقَفت خلف الزجاج حيث نطلب الخدمة. بادرتها: بطاقة السحب الذاتي خاصتي لا تعمل. قالت: ربما غير مفعّلة. أخذتها مني وغادرت طاولتها. كمبيوتر أصم فوق طاولة مهلهلة تشغل مساحة ضيقة مثل قبر. دارت حول المكان لتذهب للجهة المقابلة، موظفون باختصاصات أخرى سألتهم واحداً واحدة أن يعيروها جهازاً ليمكنها تفعيل بطاقتي. نهاية الجولة تفضل أحدهم و"خلّى" لها جهازه. استغرق الأمر ثلث ساعة إضافية حتى استلمت بطاقتي، وكان جمهور صغير قد تكدس أمام مساحة الزجاج الخاصة بالموظفة حينما غادرت.

في الهيئة التي أعمل بها التأثيث الجيد وكل ما يحتاجه الموظفون لأداء أعمالهم حصريًا عند الرؤساء، معظم الدوائر الحكومية، وحتى الخاصة، بيئة العمل آخر شيء يمكن تقييمه وإعطاؤه أولوية قبل الحكم على أداء الموظفين. بل أخذت هذه الرداءة طابع البداهة وباتت حيازة أدوات العمل تدخل ضمن مزايا الوظيفة، ليست الشهادة بالضرورة ولا نوع العمل الذي يتقنه الواحد منّا.

لذا لم تُحدث صور موظفي منفذ راس جدير الجالس بعضهم على طوب البناء ليؤدي عمله عوضاً عن كرسي، ليس ليمنحه حقه كموظف من الراحة، فحسب، ولكن ليحفظ كرامته كإنسان. لم تُحدث صدمة ولم تعد موضوعًا خطراً ولا خَطَر ببال أحد أنها من الانتهاكات. بل نحت التعليقات في مجملها إلى التندر، وعلى الأرجح هذا النمط الذي ساد ولا يزال محافظًا عليه في الثلاث سنوات الأخيرة كإرث يجعلنا لا ننتبه للتآكل الشامل للذوق في تصميم المباني، في هيئة وهندام الناس، ناهيك عن الموظفين. في أصول التعامل وأثر كل ذلك على أمزجة الناس، وبالتالي على أدائهم.

من جهة أخرى يمكننا فهم مبعث الشراهة للمناصب الإدارية والموالاة للحاصلين عليها. لأن هذا القرب سيمكن الكثيرين من الحصول على بعض حقوقهم في شكل مكافآت تمنح وتقطع حسب رضا الرئيس في العمل. ما يقودنا إلى تفسير أنماط سلوكية أخرى تسرب قيمًا معيبة تعطي الناس قيمة وفقًا لما يملكون.

كما وأن التوصيف يتبع السلطة، لا الحقيقة، لهذا يكتسب سائق المسؤول قيمة أكبر من موظف يؤدي عملاً مهما في المؤسسة ويكون السكرتير حارس البوابة لأهم الملفات والأعمال ولرأي صاحب الموظف الكبير أو أحد أقربائه أهمية أكثر من موظفي إدارة التخطيط وصفّ المستشارين، ولعل فيما يقوله الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الإنسان المهدور: "إن ترسيخ ثقافة الولاء للعصبيات والأشخاص والقادة سوف ينشأ عنه هدر على صعيد التنمية وبناء الغد" يقرب لنا صورة المجتمع الذي لازلنا نصرُّ أنه قام بثورة.