Atwasat

الوجه المقنَّع للشر

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 24 أغسطس 2014, 02:58 مساء
القاهرة - بوابة الوسط

لابد وأن وكلاء الدعاية لجماعة «الدولة الإسلامية» قد تصوروا أن الفيديو الوحشي الذي يبين قطع رأس الصحفي جيمس فولي سيُرْهب ويروّع العالم. ولكن الناس غير مُجْبلين على هذه الطريقة، لا في البلدان الإسلامية أو في أي مكان آخر. وعندما يرون سلوكًا ساديًّا غير حضاري، فإنهم يشعرون بالاشمئزاز والغضب.

تحدث الرئيس أوباما بدقة خاصة ووضوح أخلاقي في رد فعله على الفيديو يوم الأربعاء، قائلاً إن الدولة الإسلامية «لا تتحدث باسم أي دين. فأغلب ضحاياها من المسلمين، ولا يوجد هناك دين يعلّم الناس ذبح الأبرياء. لا يدافع الله عما فعلوه أمس، ولا على ما يقومون بفعله كل يوم».

كان فيديو قطع الرأس علامة على ضعف الدولة الإسلامية، وليس قوته. أوضح أوباما قائلاً: «إن مَنْ يرتكبون مثل هذه الفعلة يفشلون في نهاية المطاف، لأن المستقبل يفوز به مَن يبني وليس مَن يدمر». كان يتحدث كما يتوجب عليه كرئيس حول عواقب قتل المدنيين الأميركيين: «سنكون يقظين ولن تأخذنا بالجناة شفقة. عندما يُلحِق الناس الضرر بالأميركيين، في أي مكان، سنفعل كل ما هو ضروري لرؤية العدالة وهي تأخذ مجراها».

توضح حياة وموت أسامة بن لادن لماذا يُعتبر الفشل هو قدر أي استراتيجية إرهابية، إذا حافظت الدول المتحضرة على إرادتها. لقد أعطى أوباما الإذن للمهمة التي تعقبت زعيم تنظيم القاعدة وساقته إلى حتفه في أبوت آباد- باكستان.

لقد أدت آلة القتل الوحشي للمنظمة إلى ترويع المسلمين وتغريبهم، لدرجة أن بن لادن تساءل إذا كان يتوجب إعادة تصنيف الجماعة كقوة أقل سُمّيّة

ولكن في الأشهر التي سبقت وفاته، كان بن لادن يعرف أنه مُني بالفشل. تُبيِّن الوثائق التي أُخذت من مخبأ بن لادن أن في أيامه الأخيرة لازمته أفكارٌ حول الأخطاء التي وقع فيها تنظيم «القاعدة».لقد أدت آلة القتل الوحشي للمنظمة إلى ترويع المسلمين وتغريبهم، لدرجة أن بن لادن تساءل إذا كان يتوجب إعادة تصنيف الجماعة كقوة أقل سُمّيّة. حتى أنه اقترح عشرة أسماء بديلة يمكن أن تُحدث وقْعًا أفضل على آذان العالم.

وأبرز بن لادن في مسوّدة خطاب حول «التقديرات الخاطئة» و «الضحايا المدنيين الذين لا لزوم لهم» الذين أضروا بقضية الجهاد. قال: «إن اقتراف هذه الأخطاء قضية كبيرة»، مشيرًا إلى أن استباحة «دماء المسلمين» قد أسفرت عن «تغريب معظم أمة [الإسلام]». يجب على قادة القاعدة المحليين «الاعتذار وتحمل مسؤولية ما حدث».

إن الجلاد المروِّع لهذا الأسبوع، والذي ظهر ملثّمًا في ملابسه السوداء، يُرجِع خطه الجهادي إلى نفس الجماعة التي كان بن لادن يدينها، وهي جماعة تنظيم القاعدة في العراق، والتي تنحدر منها جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)»، وقد اختارت هذه الجماعة أن تحقّر من ذاتها بأكثر نسخة تطرفًا وتعطّشًا للدماء من الثورة الإسلامية، فأفعالها ومفاخرها نوعٌ من الخيال الجهادي، حيث يحتفون بالعنف الإباحي للقتل الديني في صورة قطع رؤوس وعمليات صَلْب وإبادة جماعية ضد المسلمين الشيعة واليزيديين والمسيحيين والمعارضة السُـنّـِيّـَة.

يمكننا أن نرى الشر من خلال شقوق القناع الذي ارتداه قاتل جيمس فولي. ولكن وقف هذا الشر مهمة أصعب

يمكننا أن نرى الشر من خلال شقوق القناع الذي ارتداه قاتل جيمس فولي. ولكن وقف هذا الشر مهمة أصعب. وكما عرفت أميركا خلال العقد الماضي، يمكن لهاجس مكافحة الإرهاب أن يجرّ أي بلد نحو حروب خاسرة وأعمال غير أخلاقية.

لقد ظل أوباما يكافح لعدة أشهر مع مسألة كيفية عمل اللازم بطريقة سليمة هذه المرة، كيفية احتواء الدولة الإسلامية والقضاء عليها في النهاية دون أن يجعل أميركا عدوًّا للعالم الإسلامي في نهاية المطاف. كان من الممكن أن يكون صوت أوباما أكثر وضوحًا وتأكيدًا في وقت مبكر، ولكن أعتقد أن الدورة الأساسية لسياسته صحيحة. لقد تحرّك استراتيجيًّا، خطوة خطوة، جامعًا الأدوات التي سيحتاجها لمواجهة هذا الورم الخبيث.

لننظر كيف اجتمعت له هذه السياسة: لقد أدرك أن العراقيين يجب أن يقودوا المعركة ضد القتلة البارزين من وسطهم، لذا رفض أوباما الدعم الجوي الأميركي حتى يستقر العراقيون على حكومة أكثر تنوعًا وشمولاً. ومدركًا ضرورة أن تكون للمهمة أهدافٌ أولية محدودة، فقد ركّز على إنقاذ المحاصرين اليزيديين على قمة جبل سنجار، ومقدّرًا أن كردستان العراق ستكون منصة مهمة لاستعراض القوة الأميركية، نبرًا مهمًّا لإسقاط الولايات المتحدة من السلطة، تعهّد بالدفاع عن أربيل.

وكانت حملة استعادة سد الموصل تحوّلاً حاسمًا. لقد فهم أن سيطرة الجهاديين على هذا السد الضخم ترقى إلى شوكة في حلق العراق، ولذا صرَّح أوباما في يوم 9 أغسطس، قائلًا: «هناك بنية تحتية رئيسية داخل العراق علينا أن نقلق بشأنها». وقد لاحظ قليل أن 57 من 90 ضربة جوية أميركية جرى تنفيذها هذا الشهر كانت بغرض دعم القوات العراقية عند سد الموصل.

وعندما علم أن الجهاديين يحتجزون صحفيين أميركيين كرهائن، أمر أوباما بتنفيذ غارة في وقت سابق من هذا الصيف لإطلاقهم. لم ينجح هذا العمل الجريء، ولكن القرار كان سليمًا. وعلى الرغم من أنه علم أن الحكومات الأوروبية قد دفعت فديات كبيرة للإفراج عن رهائنها، رفض أوباما أن يحذو حذوهم. كانت تلك قرارات صعبة لكنها سليمة، وهي بداية أساسية لحملة طويلة ضد قتلة متوحشين.