Atwasat

عسكر سوسة..جينات ليبيا تتقاتل

عمر الكدي الإثنين 18 أغسطس 2014, 12:58 مساء
عمر الكدي

في العام 1795 ساعد باي تونس الأسرة القراهمانللية في استعادة عرشها في طرابلس، بعد ثلاث سنوات وهي في المنفى التونسي، عندما تمكن علج مغامر يدعى علي برغل من الاستيلاء على المدينة بفرمان عثماني مزور، ولم يكن باي تونس يفكر في التدخل، لولا مغامرة علي برغل المكلفة عندما احتل جزيرة جربة، فجرد باي تونس حملة عسكرية تجمعت في مدينة سوسة الساحلية، لذلك أطلق سكان طرابلس على أولئك العسكر الذين ارتكبوا الفظائع في طرابلس اسم عسكر سوسة، خاصة أن علي القراهمانللي لم تكن لديه الأموال لمكافأة «عسكر سوسة»، وقوات القبائل البدوية التي التحقت بالحملة على طول الطريق إلى طرابلس، فقرروا استباحة المدينة لمدة ثلاثة أيام، نهبوا فيها البيوت والمتاجر واغتصبوا النساء وسلبوا حليهن، وقتلوا وعذبوا ونكلوا، وحتى مطلع السبعينات من القرن العشرين كانت عبارة «عسكر سوسة» لا تزال رائجة بين سكان المدينة، ولكنها تحولت إلى شتيمة، تطلق على كل من يتصرف تصرفًا غير لائق.

اليوم يعود عسكر سوسة ليستبيحوا طرابلس، ولكن هذه المرة لم يأتوا من تونس، وإنما جاءوا من «المدن المنتصرة والمهزومة»، وبحجة أنهم الثوار وغيرهم لم يثوروا

اليوم يعود عسكر سوسة ليستبيحوا طرابلس، ولكن هذه المرة لم يأتوا من تونس، وإنما جاءوا من «المدن المنتصرة والمهزومة»، وبحجة أنهم الثوار وغيرهم لم يثوروا، وإنما مجرد «أزلام» وقفوا مع الطاغية حتى النهاية، وتقدر بعض التقارير عدد ميليشيات عسكر سوسة اليوم بنحو 1700 ميليشيا، أما عدد أفرادها فيتراوح ما بين 200 ألف و250 ألفًا حسب تقرير برلماني صدر العام 2013، معظم هذه الميليشيات ميليشيات قبلية أو جهوية، وبعضها ميليشيات مؤدلجة ترتبط بتنظيم الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المتطرفة، ولكن جميعها لا تريد تسليم سلاحها، ولا تسليم ممتلكات الدولة التي سيطرت عليها باعتبارها غنائم حرب.

عندما دخل مقاتلو الزنتان ومصراتة إلى طرابلس كانت المدينة محررة بالكامل، الزنتان اختاروا مطار طرابلس الدولي بحجة حمايته، ولم يخرجوا منه بعد، اكتفوا بمسرحية اصطحبوا فيها مصطفى عبدالجليل إلى المطار، وأعلنوا أنهم سلموا المطار للدولة، واختفى مختار الأخضر بعمامته السوداء من المطار، وحل محله أولاد عمه، أما مقاتلو مصراتة فاختاروا حي غرغور ومراكز حيوية أخرى، واضطروا للخروج من غرغور بعد أن ارتكبوا مجزرة دموية قتلوا فيها متظاهرين مسالمين أكثر مما قتلت قوات القذافي من المتظاهرين الذين خرجوا في طرابلس يوم 20 فبراير 2011.

الزنتان اختاروا التيار الليبرالي بقيادة محمود جبريل، ووفروا له الحماية الكاملة والأموال التي نهبوها من الدولة ومن التهريب عبر المطار، وأخيرًا أصبح أسيرًا لهم مثل سيف الإسلام

بعد أكثر من ثلاث سنوات يتصارع الطرفان على جبهتين سياسية وعسكرية، الزنتان اختاروا التيار الليبرالي بقيادة محمود جبريل، ووفروا له الحماية الكاملة والأموال التي نهبوها من الدولة ومن التهريب عبر المطار، وأخيرًا أصبح أسيرًا لهم مثل سيف الإسلام، أما مصراتة فاختاروا التيار الإسلامي لأسباب غير مفهومة ربما لأن الزنتان سبقوهم على التيار الليبرالي، أو لأن محمود جبريل من ورفلة، وهاهم يسعون لتدمير طرابلس فوق رؤوس ساكنيها، بينما المفتي يشرع لهم ذلك، المفتي نفسه الذي أفتى بعدم شرعية مقاتلة الإسلاميين في بنغازي.

وعلى الصعيد السياسي يسعى نواب مصراتة وحلفاؤهم لإفشال مجلس النواب، بحجة أنه اجتمع في طبرق وليس في بنغازي، وهم يعلمون أن المجلس إذا اجتمع في بنغازي سيكون تحت سطوة كتائب الإسلاميين التي تحتل بنغازي، مثلما وقع المؤتمر الوطني تحت سطوة دروع مصراتة في طرابلس، فأجبروه على سن قانون العزل السياسي، وعلى تكليف الدروع بحماية طرابلس، وهي الدروع نفسها التي تقصف اليوم طرابلس بشكل عشوائي.

لن يكون هناك منتصر في هذه الحرب، ستخسرها الزنتان مثلما ستخسرها مصراتة، وستعرف طرابلس كيف تخرج من هذه المحنة وتطرد عسكر سوسة خارجها، وسيتذكر سكانها مثلما تذكر أسلافهم عسكر سوسة، وهم مثل الجراد يأكلون الأخضر واليابس، ولكنهم مجرد ذكرى مثل كابوس مزعج يكفي ليوقظ صاحبه من نوم عميق.