Atwasat

أسطورة المعتدلين في منطقة الشرق الأوسط

فريد زكريا الأحد 17 أغسطس 2014, 05:15 مساء
فريد زكريا

كانت هيلاري كلينتون تعبر عمّا أصبح الحكمة التقليدية الجديدة لواشنطن عندما ألمحت في مقابلة شخصية لها أجراها جيفري غولدبرغ من مجلة «ذي أتلانتك» إلى أن «المعتدلين» ربما حالوا دون قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وحقيقة الأمر أن أميركا قدمت مساعدات هائلة ومستديمة للمعتدلين في المنطقة.

لنتذكر أن «داعش» ولدت في العراق، وانبثقت من الديناميات الداخلية لهذا البلد. وعلى مدار العقد الماضي، ساعدت الولايات المتحدة الأميركية في تنظيم «معتدلي» العراق، الممثلين في الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، حيث أعطتهم عشرات المليارات من الدولارات في شكل مساعدات، وقامت على تدريب جيشهم. ولكن، اتضح أن المعتدلين لم يكونوا كذلك، وبينما تحولوا إلى الاستبداد وغرس الشقاق، ازدادت حركات المعارضة السُنية، واكتسبت جماعات المعارضة الجهادية مثل «داعش» دعمًا مستترًا أو صريحًا. وهذا نمط مألوف في شتى أرجاء المنطقة.

في هذه الظروف، يتحول المعتدلون إما إلى متطرفين وإما يخسرون في صراعات القوة القاسية الحالية. انظر إلى العراق وسورية ومصر وليبيا والأراضي الفلسطينية.

ولعقود حتى الآن، كانت السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط تنصب على دعم «المعتدلين». لكن المشكلة أن هناك القليل جدًا من المعتدلين في المنطقة. فالعالم العربي يمر بفترة مشحونة بالصراعات الطائفية المريرة تجنح «بالعالم الإسلامي إلى العصور الوسطى»، بحسب تصريح الرئيس التركي عبدالله غول. في هذه الظروف، يتحول المعتدلون إما إلى متطرفين وإما يخسرون في صراعات القوة القاسية الحالية. انظر إلى العراق وسورية ومصر وليبيا والأراضي الفلسطينية.

حوصر الشرق الأوسط لعقود بين الأنظمة الديكتاتورية القمعية والجماعات المعارضة غير الليبرالية، بين حسني مبارك والقاعدة، حتى أنه لم يجد منفذًا بين الاثنين. فالطغاة يحاولون إسكات كل حركات المعارضة، والتي تصمد منها تغرق في مستنقع الحقد والانتقام وتوغل في التشدد الديني والعنف. كان هناك متنفس للمعتدلين بعد ثورات الربيع العربي في عامي 2011 و2012، لكنها سريعًا ما ذوت واختفت.

ففي مصر، كان لدى جماعة الإخوان المسلمين فرصة للحكم والهيمنة بشكل شمولي، لكنها أبت أن تفعل. ودون الانتظار للانتقام من تلك الأنظمة القمعية عند صناديق الاقتراع، صعد نجم الدكتاتورية المصرية القديمة، فحظرت جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من قوى المعارضة زجت بهم في السجون. وفي البحرين، تسير الطبقة الحاكمة القديمة على خطى النظام المصري، بينما تمول العائلة المالكة السعودية عودة القمع في شتى أرجاء المنطقة. هذا كله يفضي إلى خلق معارضة خفية وعنيفة. قال يوسف المحافظة رئيس قسم الرصد والتوثيق في مركز البحرين لحقوق الإنسان في تصريحه لموقع «المونيتور» الإخباري على شبكة الإنترنت إنه «بسبب ثقافة الحصانة [من جانب الحكومة]، ظهرت ثقافة أخرى ركيزتها الانتقام» في الشوارع.

وفي الأراضي الفلسطينية، يُعتبر محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية معتدلًا بحق، لكن لنلاحظ أن الحكومة الإسرائيلية والغرب أجلا بطيب خاطر الانتخابات في الضفة الغربية عامًا بعد الآخر، لأنهما يعرفان تمام المعرفة مَن الفائز. لا يبلي المعتدلون بلاءً حسنًا في مناخ مشحون باليأس والحروب.

ولعل أكبر خدعة على الإطلاق فكرة أن المعتدلين باستطعاتهم الفوز في سورية.

ولعل أكبر خدعة على الإطلاق فكرة أن المعتدلين باستطعاتهم الفوز في سورية. فالإيمان بأن المعتدلين لديهم القدرة على تنظيم صفوفهم وعرض قضيتهم والوصول إلى صناديق الاقتراع شيء والواقع شيء آخر. لكن نظام بشار الأسد وجه أسلحته نحو المعارضة من البداية. وفي هذه الظروف، فإن الجماعات التي ستتقلد السلطة هي تلك التي ستقاوم بحماس وشراسة. لننظر إلى الرئيس الجديد للمعارضة السورية المدعومة من الغرب هادي البحرة الذي يلتمس الآن المزيد من الدعم من المعتدلين أمثاله. فقد غادر البحرة سورية العام 1983، حيث كان رجل أعمال ناجحًا ومرموقًا ومخلصًا، منذ أكثر من 30 عامًا! ما احتمالات قدرة رجل مثله على أن يتولى زمام الأمور خلفًا للذين يحاربون ويلقون حتفهم في الميدان؟

ومُن هم هؤلاء؟ بعد بداية الصراع السوري، نشرت وكالة «أسوشيتدبرس» تقريرًا مفاده أن معارضة الأسد يمكن وصفها بـ«الفقيرة التقية الريفية». وجاء في تقريرها وصفًا لأهل حلب أنهم «يضعون القتال في قالب ديني، ويتحدثون عن الشهادة وكأنها أمنية لهم». ويوضح جوشوا لانديس الباحث بجامعة أوكلاهوما أن جميع القوى المتمردة الأكثر فعالية في سورية لا تتحلى بالديمقراطية.

في مقالة ممتازة نشرتها صحيفة واشنطن بوست يستشهد الأستاذ مارك لينش من جامعة جورج واشنطن بدراسات تاريخية دقيقة تدلل على أنه في حرب أهلية فوضوية عنيفة كتلك الدائرة رحاها في سورية، في ظل دعم عدة أطراف خارجية لجماعاتها المفضلة، لن يكون للتدخل الأميركي إلا أثر محدود لا يتجاوز توسعة رقعة الصراع ومفاقمته. يكتب لينش: «لو تم تبني خطة تسليح المعارضة السورية في العام 2012، لكان السيناريو الأرجح هو استمرار الحرب كما هي على حالها الآن، اللهم إلا أن الولايات المتحدة لكانت أكثر تورطًا بشكل وثيق وعميق».

إن التأكيد على فوز المعتدلين في سورية ليس بالسياسة الأجنبية القوية، بل هو خيال ساذج له تبعاته الخطرة.

(خدمة واشنطن بوست)