Atwasat

الإبادة الجماعية بأمر المفتي

محمد اقميع الثلاثاء 22 يوليو 2014, 07:12 مساء
محمد اقميع

طرابلس لا عيد لها هذا العام... فلا شيء غير الحزن والموت يخيم على طرابلس قبيل أيام عيد الفطر، فـ"قسورة" الهائجة تعيث فسادًا وتخريبًا وتدميرًا في العاصمة وتنشر الرعب والخوف والموت في شوارعها الكئيبة والمظلمة.

ورغم تراكم خيبات الأمل إلَّا أن قلوب أهالي طرابلس كانت معلقة بدار الإفتاء لعلها تكون "القشة" التي تنقذهم من الغرق في مستنقع الدم، وتكون صوت العقل الأخير الذي يخمد فتنة الحرب وهيستيريا القتل المجنون في هذا الشهر الفضيل. وحتى يكون لها عيدها أسوة بديار المسلمين.

فما كان من مفتي الديار الليبية ومن مقر إقامة سماحته بإحدى ضواحي عاصمة الضباب الآمنة والمطمئنة "لندن"، إلا أنْ يرسل فتواه المفخخة عبر الفضاء الإلكتروني*، ليعطي الضوء الأخضر لمواصلة الاقتتال، بل ووجوبه، وإن اُضطر لقتل أهل المدينة جميعًا.

وحسب توضيحه الملحق بنص فتواه قوله: "بأنّه يقصد المدينة أو القبيلة التي تحمي مجرمًا فيجب أن يقتل أهلها جميعًا" ولكن، ما السبيل إلى إقناع سماحته أن طرابلس تُعاني وطأة الغزاة من جنده وجند خصومه ولا تحمي ولا تؤوي أحدًا...! بل دفعت عشرات الشهداء ثمنًا لطرد هؤلاء اللصوص وقطاع الطرق من ميليشيات المؤتمر وحكومته، وأن لا ذنب لطرابلس في وجود قُطَّاع الطرق واللصوص ممن يوصفون بـ "الثوار الأشاوس" القادمين من كل حدب وصوب، بل ومن شتى أصقاع الدنيا، وليس فقط من ليبيا.

وقد جاء في نص مقال المفتي حرفيًا: "... لو تترس المئة مجرم، أو حتى المجرم الواحد، في أي مدينة بقبيلته أو جهته، وتعزز بها، وتقوى بوقوفهم معه، وكانوا جماعة واحدة متضامنين متعاونين معه، وصارت له معهم شوكة ومنعة يتناصرون ويتعاونون تحتها، يدعم بعضهم بعضًا، ويقوي بعضهم بعضًا، ويحمي بعضهم بعضًا، لو كانوا كذلك، كانوا جميعًا قتلة، وشركاء له في جنايته وإثمه. وكتب عامل لعمر رضي الله عنه من اليمن: أن جماعة تعاونوا وتمالؤوا على قتل رجل، فكتب إليه عمر قولته المشهورة: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعًا)، أي أن عمر أمر بقتل أهل صنعاء جميعًا لو تمالؤوا وتعاونوا على قتل رجل واحد!".

لماذا لم يتحلَّ سماحته بالشجاعة ويُعلن بوضوح من هي تلك "المدينة" أو "القبيلة" التي يقصدها بالاسم، ولماذا ترك جنده يفسرون "فتواه" كيفما يشاؤون لتكون "طرابلس" هي الضحية

ولكن، وبدل تبريره لجريمة "الإبادة الجماعية"، لماذا لم يتحلَّ سماحته بالشجاعة ويُعلن بوضوح من هي تلك "المدينة" أو "القبيلة" التي يقصدها بالاسم، ولماذا ترك جنده يفسرون "فتواه" كيفما يشاؤون لتكون "طرابلس" هي الضحية، وهي لا تعدو كونها مدينة تغلغلت في أحيائها الآمنة كتائب اللصوص والمجرمين وقُطّاع الطرق ممن يصفون أنفسهم بـ"الثوار"، وهذا منذ أكثر من ثلاث سنوات؟ وهم من وصفهم في أحد لقاءاته بأنّهم تاج على رأسه. فليسمِّ المفتي من يعتبرهم مجرمين وقطاع طرق بأسمائهم، ثُمَّ عليه أنْ يأمر جنده بغزو قبائل أولئك المجرمين في عقر دارهم، وندرك بأنه لن يفعل وأن جنده لا يجرؤون على قتل بعوضة تطير في حِمى تلك المدن والقبائل الحصينة التي يعنيها.

ولكن، الاستقواء على طرابلس وحصارها أمر سهل، ليس لضعف أهلها، ولا لأنهم هم فعلًا من يحمون المجرمين وقطاع الطرق، ولكن، ذنبها الوحيد أنها مدينة لا تحميها قبيلة أو عصبية، ولا يخشى المجرمون والقتلة ثأرَ من يقتل من أهلها... إنها لم تقترف ذنبًا إلا كونها العاصمة المستباحة وقبلة اللصوص والثوريين وقُطّاع الطرق والزاحفين نحو السلطة عبر العصور. فهل يكون جزاؤها العقابَ الجماعي؟

ولكن، ومهما كانت الأسباب، لا يمكن أبدًا تبرير جريمة "الإبادة الجماعية" لأي قبيلة أو مدينة أو بلد بأسره، ومن يرتكب مثل هذه الجريمة اللاإنسانية لا يمكن إلا أن يكون مجرمَ حرب، مهما كانت صفته ومركزه ومنصبه، وأخشى أن سماحة المفتي يُعرِّض نفسه للمساءلة القانونية بمثل هذه الفتاوى المحرِّضة على القتل الجماعي وسفك الدماء.

والمهم أخيرًا، هل سيأمر سماحة المفتي جُندَه وخصومهم بالانسحاب من طرابلس الأسيرة؟ خصوصًا وبعدما اعتكف جند "قسورة" في هذه العـشر الأواخـــر على القتل وسفك دماء أهلهم وأخوتهم في الدين والوطن. هل سيأمر "محاربيه الأشاوس" بحقن الدماء في العاصمة، ليمنحوا فرصة لأهالي طرابلس وأطفالهم بأنْ يذوقوا فـرحة عيدهم أسوة بديار المسلمين أم أنَّ قدر الديار الليبية الخراب والدمار وشبح الموت المخيم عليها، ومطاردة أشباح النظام السابق إلى الأبد.

وهل ستنتظر طرابلس المنكوبة انتفاضة مدن وقرى ليبيا، وأن يهتف الجمع لفدائها "ليس بالروح والدم" فهما من أرخص السلع في ليبيا، بل بـ"براميل" البنزين والدواء وملابس عيد أطفالها المهجّرين الجُدد بفضل قسورة وجندها "البواسل"؟

___________________
هوامش

* مقال الصادق الغرياني، مفتي الديار الليبية، موقع تناصح،

http://www.tanasuh.com/online/leadingarticle