Atwasat

صدمة الشرق الأوسط

محمد الطاهر الحفيان السبت 28 يونيو 2014, 05:47 مساء
محمد الطاهر الحفيان

يكتب الخبير العسكري الأميركي رالف بيتيرس "Ralph Peters" في مؤلفاته العديدة بعقل بارد وبشوفينية صارخة ويفصح، متحدثًا باسم الولايات المتحدة، عما تخفيه اللغة الدبلوماسية ويحجبه الرياء السياسي، مسوقًا للثقافة الأميركية المعاصرة التي يرى أنها الأكثر قوة في التاريخ، والأكثر تدميرًا من الثقافات المنافسة.

يدعم بيتيرس أفكاره بشأن ما يمكن وصفه بـخلود الثقافة الأميركية ورفعتها بالتأكيد على أن الانتقادات الموجهة إليها بأنها ليست ثقافة عميقة وليست ثابتة هي سر قوتها؛ وهو يرى أن جميع الثقافات السابقة حاولت البحث عن مُثل عليا تسعى جاهدة إلى بلوغها، فيما تميزت الثقافة الأميركية بأنها ثقافة وسائل وليست ثقافة أهداف، مشيرًا إلى أنها ثقافة متغيرة "بمنتجات تستعمل لمرة واحدة فقط" لأن الحياة ذاتها ضد الثبات.

من هذا المنظور تهيمن فكرة الصراع "الثقافي" على عقل بيتيرس ولا يرى أي علاقات أو وشائج تربط الثقافات المتنوعة إلا من خلال صراعٍ يضع تصنيفًا بسيطًا له يتمثل في ثقافات مهاجمة تسعى لتدمير خصومها وابتلاعهم، وأخرى مقاومة، وثالثة عاجزة عن التكيّف والدفاع عن نفسها.

خص بيتيرس ثقافة الولايات المتحدة بالمرتبة الأولى في كونها تعمل على الإدماج وليس على الحذف، مصورًا إياها بأنها في حالة هجوم دائم على الثقافات الأخرى للغاية ذاتها، الإدماج والتذويب؛ وبهذا الشأن يقول إن الثقافات الشرقية الآسيوية مؤهلة لتحمّل هجوم الغزو الثقافي بمساعدة سلوك يتكّيف، في حين حُرمت معظم الثقافات الأخرى من هذه الميزة وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط.

يصف بيتيرس المنطقة العربية بأنها تحولت إلى مستنقع منذ أكثر من خمسة قرون حتى قبل ظهور الولايات المتحدة، مشددًا على أن الحضارة الإسلامية منذ ذلك التاريخ عانت من انحطاط تنازلي يستحيل وقفه

يصف بيتيرس المنطقة العربية بأنها تحولت إلى مستنقع منذ أكثر من خمسة قرون حتى قبل ظهور الولايات المتحدة، مشددًا على أن الحضارة الإسلامية منذ ذلك التاريخ عانت من انحطاط تنازلي يستحيل وقفه لأسباب لخّصها في التالي: "بنيتها الاجتماعية والاقتصادية، وقيمها، وإهمال التعليم، وغياب الفضول العلمي، وتسيب وعجز الطبقات الحاكمة فيها عن إقامة دولة حديثة واحدة تكون في خدمة شعبها".

من هذا المنطلق، يضع هذا الخبير الاسترايجي الأميركي "إسلام" المنطقة بشقيه العربي والفارسي في سلة واحدة مانحًا إياه صفة "ثقافة عاجزة عن المنافسة" بقيم، يقول إنها تبدو مختلة الوظيفة، وأن الاستغناء عنها ممكن بسهولة.

ضمن هذا السياق يتناول بيتيرس مشكلة الإرهاب، حيث يرى أنها من تداعيات "فشل المنطقة الكارثي" على المنافسة في جميع الميادين، إضافة إلى ما يصفه بوهم الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تصورت أن الإرهاب "انحراف موقت".

ويعرج الخبير العسكري الأميركي على إسرائيل مشددًا على أنها ذريعة تبرر فشل المنطقة حضاريًا وليست سببًا له، لافتًا في هذا الصدد إلى أن الأموال السعودية أضرت بمنطقة الشرق الأوسط أكثر من إسرائيل "بكل تاريخها" بسبب تمويل التطرف المعادي للغرب وتشجيع الكراهية بين المسلمين والآخرين.

لمثل هذا الرأي، بطبيعة الحال، وقع الصدمة على مخيلتنا المشبعة بالغرور والإنكار، ذلك أننا تعودنا العيش محاطين بشعارات براقة عن "هوية" متكاملة مفترضة نُجمّل بها "هويةً" أخرى مركبة نعاصر بها الحاضر من دون إدراك حقيقي لهذه الإشكالية العميقة.

وعلى الرغم من قسوة تشخيص رالف بيتيرس، فواقع الحال الذي تعيشه مجتمعاتنا أشد منه وأنكى، زدْ على ذلك أننا استمرأنا البكاء على الأطلال، وإحالة مسؤولية ما يجري لنا من أنفسنا على آخرين.