Atwasat

تونس: الموجةُ الثانيةُ للربيع العربي!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 16 يناير 2018, 03:34 مساء
أحمد الفيتوري

يصعبُ أن أتسلق يديك كرصاصة

أقصى ما يُمكنني عمله

أن أنام وأنا مُغمض العينين عليك

حين أفتحهما

أقول للصبح: أنتظر قليلا

هي بخير

غدا ستلدُ زهرة.

شعر: جمال القصاص

لا الفجر يُخلف ميعاده ولا الخريف.

كلاهما يأتي في أوانه، كلاهما يذهب في أوانه، ولا شيء يبقي سوى الحقائق التي صنعناها.

نثر: يوسف القويري

1 -

التغيير عادة لا يأتي كحُسام قطعيٍ يأتي كموجات متتالية، وأحيانا يجيء كعودة على البدء مثلما الثورة الإنجليزية ما تمخضت عن جَمَل "الملكية" لكن أي ملكية!، الثورة الفرنسية تكللت بعودة "البُربون" العائلة الحاكمة لمرتين ولكن عودة كما الحبلِ الكاذب، والتاريخ قبل وبعد يتذكر فيما يخص هذا أحداثا ووقائعَ عدة ، لكن البشر أفضل ما لديهم النسيان: ربيع براغ 1968م أنجب احتلال الدبابات السوفيتية، ومن رحم براغ هذا بدأ العد التنازلي لنهاية الفيلم السوفيتي القصير في تاريخ الإمبراطوريات 1989م .

تذكرت هذا وتذكرت الربيع العربي في السنة السابعة لثورة الياسمين التونسية مدخل ذلكم الربيع، ثورة الياسمين ما سبعت بالعودة على بدء حيث خرجت جماهيرها مرة أخرى متظاهرة مطالبة بالكرامة كما جاء في جانفي (يناير) 2011م.

ما يُثيره الخروج تُثيره المناسبة: أنه للمرة الأولى في التاريخ الحديث للشمال الأفريقي تخرج الناس أو الجماهير أو الشعب كافة من أجل التغيير، فتكون ثورة الياسمين مُفتتح الربيع العربي ما يجتاح المنطقة العربية وبلغة الغرب: الشرق الأوسط، هذه حقيقة تاريخية لا يَجبُها ما قبل ولا ما بعد.

الموجة الأولى لذا الربيع بانت كسعاد في خريف لأوضاع "تدعشت"، ومُسوح الكهان تبوأت ذا الربيع، أما تونس فكأنها المُبتدأ الذي تملص من فخ ما بعد الثورات: الحرب الأهلية، وأنها "تدمقرطت" أي أمست بين ليلة وضحاها النموذج الديمقراطي في فيلم: الشرق الأوسط بعد الربيع العربي، هذا الفيلم ما يلوكه بُحاث غرب وغرب بدون نقطة الغين أمثال "عزمي بشارة" ومركزه البحثي القطري الديمقراطي الثوري!

2-

الربيع العربي حقيقة كلفح الصحراء الكبرى، لكن حقائق التاريخ لا تُعد على أصابع "الغنوشي" بل تتخطى سبحته وتتجاوز إضافة أصابع "السبسي" الضامرة، ودون فهم لمس شخصي ما بالشخصيتين الأبرز في موجة الربيع العربي الأولى، أُوضح أن "الشيخين" حاولا استثمار الرأسمال الرمزي لتونس البورقيبية من أجل دمقرطة ثورة الياسمين بصيغة التقاسم.

لقد نجح الشيخان في إعادة إحياء الوفاق الوطني التونسي بدعم دولي فرنسي وإقليمي جزائري وتخلص من ليبيا القذافي، هذا الوفاق عني بدمقرطة تونس بقسمة ضيزى بين رجال الاستقلال الوطني "ورثة بورقيبة" ورجال الدين "ورثة جامع الزيتونة والأخوان المسلمين". أي أن "جمل" الربيع العربي في تونس تمخض عن الديمقراطية التونسية ما خلقت وئاما بين السلطة الحاكمة منذ الاستقلال ومعارضتها الدينية، وبهذا بات "الغنوشي" هنيئا مريئا بأن كأس "قرطاج" في اليد.

ما حققه الربيع العربي التونسي اقتسام للسلطة وبالتالي توأم مرحلي فك زمام ثورة الياسمين من جماهيرها بالسلم الاجتماعي المؤقت: مثلا لم يهتم أحد أن من تونس أتى طرز آخر للديمقراطية فالأغلبية "النهضة" في المعارضة، والأقلية "نداء تونس" في السلطة، و "السبسي" الرئيس لابد أن يتشاور و "الغنوشي" المعارض فهما عند الامتحان – كما حصل في انتفاضة الميزانية في الأيام الماضية- في وئام.

لكن الحقيقة المغيبة أن هكذا ديمقراطية هشة وتحمل سوسا ينخرها، فالكرامة التي أخرجت جماهير الياسمين تريد الحصول عليها، اختزلت في صندوق قرطاج: تغيير وجوه السلطة مع مسحة من حرية التعبير "هايد بارك": علَ التهجم على "الجبهة الشعبية" التونسية واتهامها بأنها وراء أحداث جانفي 2018 من قبل الشيخين يُذكر بمسار السلطة قبل جانفي 2011م واتهاماتها للمعارضة اليسارية ثم الدينية حينها، وأيضا تذكر بأن عين الشيخ على الكرمة: قرطاج. وعلَ إصدار قرار بدعم الأسر الفقيرة لإخماد انتفاضة الميزانية، يُذكر كذلك بقرارات التراجع ما عقب انتفاضة الخبز 1984م.

3-

لا يعنى هذا العوار في التجربة التونسية إلا أن انتفاضة يناير 2018 م التونسية، الموجة الثانية في الربيع العربي ما أحرق اليابس في المنطقة وطوح بالتيار اللا تاريخي: التيار الإسلامي، وأن هذه الموجة الثانية ما بعد داعش تُرى في صور عدة في السعودية، وإيران، والسودان، وتتمظهر بالانتخابات في لبنان ومصر وليبيا، وبمقتل على عبد الله صالح في اليمن، فهي موجة تصغُر وتكبر وتدنو وتعلو، وتضطرد وتضمر لأنها موجة عاتية فتتخذ صورا عدة.