Atwasat

الفضول والتطفل

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 03 ديسمبر 2017, 09:51 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

ارتبط الفضول، تاريخيا، بمعنى كثيرا ما يساوي بينه وبين التطفل. ففي العربية الفضولي هو "المشتغل بما لا يعنيه" أو المنشغل بالتوافه، لأن أحد معاني الفضْل هو "الشيء الزائد" و"الفضلة بقية الشيء". أي أن الغالب على مفهوم الفضول هو المحمول السلبي.

في الإنغليزية ظهرت اللفظة المعبرة عن الفضول، وهي curiosity في القرن الرابع عشر، منحدرة من لفظة لاتينية هي cūriōsitās التي تعني الحذر والعناية، والإلحاح في التقصي والتطفل أو الحشرية. وكان ينظر إلى الشخص الفضولي على أنه تعوزه السيطرة على نفسه (1: 35)*. أي أن محمولها، هنا أيضا، تغلب عليه شحنة سالبة. فسانت أوغسطين اعتبر الفضول خطيئة كبرى إلى جانب المتعة الجنسية والتكبر (1: 35).

ولم يحدث الانعطاف في مفهوم الفضول في الغرب إلا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر (1: 35)، ويبدو أن هذا الانعطاف ارتبط بالنهضة العلمية وقتها التي كان أبرز ممثليها غاليليو ونيوتن، حيث
أصبح يدل على التعطش إلى المعرفة والطموح إلى الاكتشاف والابتكار والاختراع، وأصبحت لفظة الفضول مقبولة لدى الفئات المتميزة (1: 35).

وعلى أية حال لم يكن إطلاق صفة الفضولي على شخص ما، قبل خمسينيات القرن الماضي، إطراء واضحا (1: 35). إذ إنها كانت تحمل على المبالغة في التقصي المزعج وعدم اللياقة (1: 35). ولم يصبح الفضول، بشكل عام، صفة محمودة إلا مؤخرا، حيث أصبح يرتبط بالنزوع المعرفي والعلمي والاكتشاف والاختراع وصار ينظر إليه على أنه أهم عوامل التقدم الحضاري في مجمله.

بناء على ذلك تم فصل الوجه الإيجابي للفضول، باعتباره نشدانا دؤوبا للمعرفة، عن وجهه السلبي، المرتبط بانشغال المرء بما لا يعنيه في حياة الآخرين، وصار هذا الوجه الأخير يسمى "التطفل".

ويبدو لي أن الرواية والقصة والمسرحية تشتغل، في جزء معتبر منها، على «التسامي» بنزعة التطفل هذه وإشباعها

التطفل ميل ملازم لكل إنسان، بهذا القدر أو ذاك. إلا أنه ثمة من هو قادر على كبح هذا الميل وإخماده، وثمة من تفلت منه أعنته. ويبدو لي أن الرواية والقصة والمسرحية تشتغل، في جزء معتبر منها، على "التسامي" بنزعة التطفل هذه وإشباعها لدى القاريء، تعويضا له عن ممارسة هذا السلوك الأخلاقي المذموم في الحياة.

أعتقد أن أحد الدوافع لقراءة الأجناس الأدبية المذكورة أعلاه ينبثق من نزعتي التلصص والتنصت لدينا. فحين أقرأ عملا تابعا لأحد هذه الأجناس فإنني "أتسلل" إلى الحياة الخاصة لشخصيات هذا العمل. أدخل بيوتهم وأتابع تحركاتهم فيه وأتلصص على الأفعال الحميمة في غرف نومهم وأتنصت على أحاديثهم مع أقاربهم وأصدقائهم في أمكنة مختلفة وأطلع على أسرارهم وعيوبهم ونواقصهم بل، أكثر من ذلك، أعرف دخائلهم ونواياهم وأفكارهم

وبالتالي تكون رغبة التطفل لديَّ قد أرضيت من خلال هذا التسامي الذي لم يمس حياة أشخاص واقعيين.

* يشير الرقم الأول إلى المصدر أو المرجع، ويشير الرقم الثاني إلى الصفحة المأخوذ عنها.

1- THE POWER OF CURIOSITY: HOW LINKING INQUISITIVENESS TO INNOVATION COULD HELP TO ADDRESS OUR ENERGY CHALLENGES, RSA SOCIAL BRAIN CENTRE, JUNE 2012