Atwasat

إعادة الاعتبار إلى قضايا هُمِّشَت

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 15 أكتوبر 2017, 10:03 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

أصبح الحديث عن بعض المواضيع، مثل القومية والثورة وحركة التحرر والاشتراكية، بشكل إيجابي، يعرض صاحبه للسخرية.

ففي الوقت الذي يتشظى فيه العالم إلى دول تقوم على أساس عرقي وقومي يتعرض المتحدث عن القومية العربية إلى الاستهجان، وهذا الاستهجان ليس نابعا من توجه أممي "يعلو على القوميات" وإنما من إنكار حق العربي، من قبل العرب أنفسهم، في الحديث عن القومية العربية.

وهنا ينبغي التفريق بين القومية كوجود موضوعي وثقافي وما ينبثق عن ذلك من بلورة فكرية، وبين التعصب القومي والشوفينية التي تدعي تفوق قومية ما على ما عداها. وحتى في حالة التوجه الأممي لم يحدث إنكار للوجود القومي الموضوعي، مثلما يشيع البعض عن الفكر الشيوعي. وفي هذا السياق يمكن الاستشهاد بعبارة لإنجلز في المؤتمر الأول للأممية الشيوعية الأولى، التي أسسها مع ماركس، المنعقد في 28 سبتمبر سنة 1864 بلندن، ردا على مندوب الشيوعيين الفرنسيين الذي شن في كلمته هجوما عنيفا على القومية. قال إنغلز معقبا على هذه الكلمة ما معناه: أود أن أذكر الرفيق الفرنسي الذي هاجم القوميات أنه كان يخاطبنا بلغة فرنسية!

وإذن، فالحديث عن القومية العربية، بشكل موضوعي ووفق المشروعية العامة وضمن الإطار الإنساني الذي لا يفاضل بين القوميات، أمر لا غضاضة فيه، بل ومطلوب. ولا يمكن التعلل بشوفينية وغوغائية الخطاب القومي العربي السابق الذي كان مهيمنا وحاجبا الخطابَ القومي العربي العقلاني والعلمي. ومثلما تتم الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني يمكن أن تتم الدعوة إلى تجديد الخطاب القومي.

كذلك هو الشأن في ما يتعلق بمقاومة التغول الإمبريالي العالمي. إذ "تتسم اللحظة التاريخية الراهنة بنشر مشروع الهيمنة الأمريكية على الصعيد الدولي. فهو المشروع الوحيد الذي يحتل مقدمة المسرح اليوم. ولم يعد هناك مشروع مضاد يحاول الحد من المجالات الخاضعة لرقابة وسيطرة الولايات المتحدة"(1). بالطبع لم تعد مقاومة هذا التغول ممكنة عن طريق الكفاح المسلح، لكن من الممكن مقاومته بطرق أخرى ضاغطة، يمكن ابتداعها واللجوء إليها، إذا ما توفرت الإرادة السياسية الفعالة المستندة على وحدة وطنية حيوية، ونقصد بالوحدة الوطنية الحيوية هنا تلك الوحدة الوطنية القادرة على معالجة نواقصها وتعميق تلاحمها وتطوير أدواتها من أجل تحقيق المصلحة الوطنية المشروعة. وفي هذا المنحى "هناك صعود لحركات المقاومة والنضال ضد الرأسمالية والإمبريالية، والنجاحات التي حققتها الحكومات اليسارية الجديدة في أمريكا اللاتينية ونيبال (أيا كان حجم هذه الانتصارات وحدودها) والمواقف النقدية التي تتخذها حكومات الجنوب داخل منظمة التجارة العالمية.. ينهض كل هذا برهاناً على أن‘، عالما آخر وأفضل ممكن‘‘. وتتطلب الاستراتيجية الهجومية الضرورية لإعادة بناء جبهة شعوب الجنوب إضفاء الطابع الراديكالي على المقامة الاجتماعية في مواجهة الهجوم الإمبريالي للرأسمالية" (1).

وبالنسبة إلى الاشتراكية، وإن فشلت معظم تجاربها، لا ينبغي أن ننسى أن طموحها الأساسي تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية العامة، وهو يظل طموحا قائما ومشروعا. ولكن السعي نحوها يتم، ليس عبر الثورة التي تقلب أوضاع المجتمع، وإنما من خلال "الديمقراطية التي تفتح المجال أمام التمكين الاجتماعي والاقتصادي فذلك كثيرا ما كان لصيق الصلة بديمقراطية لها أبعاد اجتماعية، بمعنى تمكين المشاركة السياسية – وما يصاحبها من حريات التنظيم والتعبير- من مهاجمة مواطن التمييز وغياب المساواة، وهذه مسألة بدورها مرتبطة بعوامل اجتماعية تاريخية مثل الوعي الطبقي والقدرة على التوصل لتسويات مؤسسية كبرى تحول دون انهيار الديمقراطية" (2).

وعمليات التمكين هذه التي تستهدف غالبية السكان تعتبر في لبها مسألة سياسية (2)، حيث تشكل الديمقراطية إطارا يتحرك ضمنه النضال الاجتماعي (2). لقد "كان هذا هو الحال في العقدين الماضيين لبعض التجارب الأكثر أهمية لتوزيع عوائد التنمية بعدالة وبشكل أكثر تضمينا وشمولا كحال البرازيل، في ظل حكم حزب العمال (2003-2014) ومع صعود الجناح اليساري للبيرونية في الأرجنتين عقب الأزمة الاقتصادية الطاحنة في مطلع القرن الحالي، كما هو الحال في جنوب أفريقيا، حيث يستخدم النضال الاجتماعي من قبل الأغلبية السوداء [...] الإطار الديمقراطي" (2). وفي التجربة التركية أيضا تحت حكم حزب العدالة والتنمية منذ 2002 شهدت البلاد صعودا "لشريحة وسطى من الرأسمالية في المدن الداخلية في وسط الأناضول، والذي يمكن أن يعد أثرا تنمويا يوسع من قاعدة التشكيل في الإنتاج والتوزيع قد تم في ظل مكاسب ديمقراطية" (2).

على هذا الأساس، يبدو أن كل القضايا وجميع الأفكار تحتاج إلى إعادة فحص وتمحيص وتجديد للخطابات وآليات العمل من أجل إحراز منجزات وطنية على طريق الأمن الاجتماعي بمعناه الواسع وشعبه المتعددة.

(1) د. سمير أمين، فرص وشروط البديل المستقل في ظل العولمة، مجلة الديمقراطية، ع 68 أكتوبر 2017.
(2) د. عمرو عادلي، الاستبداد الكفء: أسئلة الديمقراطية والتنمية، مجلة الديمقراطية، ع 68 أكتوبر 2017.