Atwasat

ركن العامرية.. الاحتكام للعقل والقلب معًا

فدوى بن عامر الأربعاء 20 سبتمبر 2017, 02:12 مساء
فدوى بن عامر

استمعنا سوية وابتسمنا معًا والرأس تدور فيه كلمات الأغنية التي روت قصة شاب من البادية الليبية تقدم لخطبة فتاة من الحضر، فكان مما قاله لها "ناوي نتم معاك الدين و تبقي لي ريد وتشيلي هم الوالدين، وتبقي مخّاضة لشكواتنا وحلّابة لمعزتنا واديري حسبة جارتنا من التنّور بقنّانين وتكوني جيّابة شاهي وقليّة في لمّة ميعاد عشيّة".

فردت الفتاة الحضرية على طلبه بالكلمات التالية "رأيك ما يعجبني، لاني معتادة تنّور ولا ديك يصيّح في فجور، نعيش مع وضعك ماظني، الشكوة تبي قوة وجهد و حلبة معزة مالا حد ونا للظهرية نرّقد، هذي هي جملة حياتي، هذا هو وضعي وحياتي" فكان رده "نا غلطان ونستاهلها ثوب لبسته ماهو لي".

ربما قد بالغ قليلًا شاعر كلمات الأغنية إلا أنها تحاكي واقعًا ليبيًا بعينه. الواقع الذي أحيانًا يُؤسس فيه الزواج على حب نابض داخل قلبين غضّين يشلّ العقل فلا يرى أحدهما في الآخر إلا صورة متكاملة الجمال تكون نتيجته غضّ كليهما الطرف عن مسائل مهمة كثيرة منها التكافؤ.

وأعني به التقارب بين الزوجين في جوانب متعددة كالمرحلة العمرية والوضع الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والثقافي والتوجه الفكري وغير ذلك. فينطلق الحبيبان بلا هوادة مدفوعين بلهيب الغرام وحماسة الشباب وكبر التطلعات والطموحات ولأن الزواج كاشف للحقيقة لا يلبث أن يتكشف به كل شيء لتظهر للزوجين واقعية الحياة بعيدة عن مقاس الحب الكبير وبالتالي سيطفو تأثير اللا تكافؤ في جانب ما على سماء الحياة الزوجية.

ولأهمية الأمر فقد حاول الشاعر عكس التباين في الموروث الثقافي من آداب وقيم وعادات بين أهل الحضر وأبناء البادية. وبما أن قرار الزواج من القرارات الاستراتيجية فيتعين على كل مقبل إمعان التفكّر في التفاصيل اليومية التي ستكون عليها الحياة المستقبلية متسائلًا عن إمكانية تطويعها بما يحقق استمرار صفاء الحياة الزوجية.

في بدايات الزواج قد لا تكون هناك غضاضة بين الزوجين جراء عدم التكافؤ في جانب أو أكثر و لكن قد يتولد نوع من الصعوبة في العلاقة بين أحدهما وأفراد من الأسرة الممتدة جراء اختلاف القيم المجتمعية

ففي بدايات الزواج قد لا تكون هناك غضاضة بين الزوجين جراء عدم التكافؤ في جانب أو أكثر و لكن قد يتولد نوع من الصعوبة في العلاقة بين أحدهما وأفراد من الأسرة الممتدة جراء اختلاف القيم المجتمعية. فمن المعلوم أن للحماة في مجتمعنا تأثيرًا كبيرًا إيجابًا وسلبًا على سير الحياة بين الزوجين وديناميكيتها لما لها من مكانة قوية عند ولدها.

فالأفكار والتصورات التي أنتجت شخصية الحماة غالبًا ما تقودها لمحاولة تسيير حياة ابنها الحديثة التأسيس ربما كنوع من التعويض النفسي جراء الضغوطات الاجتماعية التي لا محيد عنها والمصاحبة لها نتيجة التقدم في العمر. وحيث أننا نعيش في مجتمع الحياة فيه منقسمة إلى عالمين غير متساويين أحدهما للرجال وآخر للنساء، ستجد الكنّة نفسها تقضي معظم الأوقات بعيدة عن زوجها منشغلة عنه بوسط نسوي مختلف عما آلفته. وهذه "الهندسة الاجتماعية" بتعبير الباحثة فاطمة المرنيسي والتي أطلق عليها الدكتور علي الوردي ظاهرة "التجزؤ"، تنظم وتقيّد حركة المرأة داخل المناسبات الاجتماعية المختلفة الشيء الذي من شأنه إتاحة المجال للحماة لفرض ماتراه مناسبًا على الكنّة الجديدة كتوقع مشاركتها المناسبات بطريقة قد لا تستسيغها الكنّة أو تعتبرها تدخلًا في حياتها الخاصة.

إنها خشونة الواقع الذي نعيشه، وهو الموروث بقوانينه المتحكمة في البنية العقلية والعلاقة الزوجية معًا حد أنها تنفذ في بعض الأحيان إلى أدق الخصوصيات الزوجية وأي محاولة للخروج من عباءة الموروث ستُعتبر محاولة لتقويض القيم الأصيلة السائدة.

التباين الأُسَري في العادات الناجم من اختلاف مجتمع الزوجة الحضرية مثلًا عن الزوج ابن البادية قد يخلق بعض المعوقات الاجتماعية

فالتباين الأُسَري في العادات الناجم من اختلاف مجتمع الزوجة الحضرية مثلًا عن الزوج ابن البادية قد يخلق بعض المعوقات الاجتماعية. ولا نعني أبدًا تفضيل جانب على آخر، إنما هو الاختلاف الذي من المفترض أن يزيد المجتمع غنى وثراء.

هناك مواقف تقليدية متوارثة متحكمة بشكل مباشر في العلاقات الأسرية والزوجية على وجه الخصوص. فمثلًا قد تكون طقوس ليلة الفرح وما قد تحمل من اقتحام لخصوصية الزوجين خارج استيعاب ابنة الحاضرة بينما ربما هي من البديهيات لابن البادية ومن هنا قد تبدأ المنغّصات بالتسرّب رويدًا رويدا. وقد تتلاحق الاختلافات بشكل لا يرضي الزوجة أو الزوج أو الحماة ذلك أنه من الصعوبة بمكان تغيير ما قد آلفه الإنسان وتعوّد عليه.

وهنا قد تجنح الكنّة للسلم على إحداث المشاكل لتذبل السعادة بمرور الأعوام، وقد تعلن عن استيائها مباشرة لحماتها. وقد تبوح الزوجة بهمومها لزوجها الذي سيجد نفسه بين نارين وستعتمد قدرته على إخمادهما على طبيعة شخصيته واستعداده النفسي فإن كان دبلوماسيًّا عالمًا بأسرار النساء أحسن التصرف، وإن كان "دم حار" ذلك الذي يهرول في عروقه فستحركه عاطفة مجنونة لتسبقه رعونته فتسرق منه كل السعادات في سنين معدودات.

على أية حال الحكاية ذات روافد متشعبة ولعل القصد هنا أن لا يقدم الشباب على الارتباط المقدس إلا بعد بحث موضوع التكافؤ بالمعنى الكلي للكلمة ومصارحة كل منهما للآخر بحيث يتفقان على استراتيجية للتعامل مع أي تباين بينهما بطريقة تضمن لكليهما التفاعل الصحيح دون إيذاء مشاعر أي منهما أو ذويهما الشيء الذي من شأنه تقوية مشاعر الترابط والتناغم بينهما.

ولذا فعلى المقبلين على الزواج عدم الاستهانة بكلمات الأغنية وأما المتزوجون فلهم الله مع تمنياتنا للجميع بالبهجة الأبدية.