Atwasat

ركن العامرية.. الكلام لكِ يا جارة

فدوى بن عامر الخميس 31 أغسطس 2017, 03:32 مساء
فدوى بن عامر

ليس مستغربًا أن تكون تونس أول بلد عربي يقذف حجرًا بغية التغيير للأفضل، فالمتابع لحال ساستهم ومثقفيهم وحقوقيهم وعسكرهم وفقهائهم يجد نخبة منهم هي نخبة حقيقية تصلح لتكون مصدر فخر لكل من ينتمي لوطنهم.

هم مثلنا من دول العالم الثالث لكنهم ليسوا مثلنا، فجغرافيًا لا يفصل بيننا شبر أو حتى فتر، لكنها آلاف الأميال المسافة بيننا فكريًا.

"كانت مقترحاته التي أعلن عنها تدعيمًا لمكانة المرأة وضمانًا و تفعيلًا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات التي نادى بها ديننا الحنيف.... فكانت بلادنا رائدة في مجال التقدم والحداثة ومواكبة العصر". كان هذا رد ديوان الإفتاء التونسي منذ أيام على مبادرة الرئيس السبسي والتي ولأول مرة في التاريخ الحديث توافق فيها دار إفتاء على المساواة بين المرأة والرجل في الميراث الشيء الذي قد يعتبره البعض تجاوزًا على الثوابت الدينية وهي في الحقيقة ثورة تشريعية لإنصاف المرأة للوصول إلى العدل المنصوص عليه ليس في ديننا فحسب بل في كل الأديان. وبغض النظر عن إن كانت هذه المبادرة ستتمخض قريبًا عن قانون بالخصوص أم لا. يكفي طرح الفكرة على كل الطاولات داخل المجتمع التونسي.

اللافت أن الرئيس ما كان ليقدم على تلك القفزة لولا يقينه بوجود قاعدة مجتمعية قوية تتسم بالوعي والإدراك

اللافت أن الرئيس ما كان ليقدم على تلك القفزة لولا يقينه بوجود قاعدة مجتمعية قوية تتسم بالوعي والإدراك وثقته بأنها على استعداد لاستيعاب أهمية المبادرة رغم ظاهرة التطرّف المتغلغلة في المجتمع التونسي حاله في ذلك حال معظم المجتمعات العربية والإسلامية الأخرى وبدرجات مختلفة. وأزعم هنا أن ظاهرة التطرّف في المجتمع التونسي إنما نابعة من واقع اقتصادي متدهور، فالفقر هو أحد الأسباب الدافعة للتطرّف كما تؤكد أبحاث منظمة START الأمريكية.

ليس بمستغرب إذًا على تونس أن تكون المبادرة كما يشهد بذلك تاريخها، فتونس بلد أروى القيروانية زوجة الخليفة العباسي المنصور التي اشترطت عليه عندما تقدم بطلب الزواج منها أن يتم ذلك بالصداق القيرواني وتحت انبهاره بجمالها ورجاحة عقلها وافق المنصور وعاش منصورًا معها بشرطها لأكثر من عشرين سنة حتى توفيت.

ينص الصداق القيرواني الذي ما كنتُ على علم به عند زواجي على أن "طاع الزوج المذكور زوجه المذكورة بالجعل التحريمي على عادة نساء القيراون، تضمنًا لمسرّتها واستجلابًا لمودّتها ولا يتسرّى ولا يتخذ أم ولد، فإن فعل ذلك أو شيئًا منه بغير إذنها ومن دون رضاها فهي طالق وأشهد على نفسه بذلك". ومن الراسخ في العقد القيرواني أن "للمرأة الكلمة العليا في قرانها وأنه لا زواج عليها إلا برضاها".

 من عادات نساء القيروان حق توريث المرأة للمرأة من نسلها

 

وبحسب المصادر التاريخية فقد عمل بهذا العقد قضاة كبار منهم ابن سحنون المتوفي عام 240 هجرية قاضي القيروان وقاضي قضاة المغرب والأندلس الذي وثّق ذلك في كتابه المدونة. كذلك فمن عادات نساء القيروان حق توريث المرأة للمرأة من نسلها وهذا ما قامت به أروى القيروانية عندما أوقفت أرضها على بنات جنسها دون الرجال.

القيروان تلك المدينة التي اختار عقبة بن نافع مكان تشييدها وذلك بعد مغادرته مدينة الإسكندرية متجهًا غربًا فلم تسترع انتباهه إلا تلك الأرض وكأن إلهامه ونفاذ بصيرته كانتا وراء ما حدث.

تونس التي حكمتها الأسرة الحسينية تزامنًا مع حكم القرمانليين لليبيا، استمر حكمهم لتونس ثلاثة قرون حتى استلام أبورقيبة رئاسة البلاد عام 1956م ونحن مزقتنا الحروب جراء التقاتل على السلطة – وكأنه قدرنا- مما أتاح رجوع الحكم العثماني الثاني لبلادنا ثم انهزامهم بمجرد مشاهدتهم للجندي الإيطالي وتُركنا لمواجهة ما واجهناه.

وخلال الحكم الحسيني كانت تونس السباقة فهي أول بلد عربي ألغى نظام الرّق وأقفل أسواق بيع الإنسان عام 1846م. وهي أول بلد عربي أصدر دستورًا وذلك عام 1861م ولا غرابة فدستور قرطاج المكتوب عام 790 ق م من أقدم الدساتير في التاريخ، إن لم يكن أقدمها وقد أشاد به الفيلسوف أرسطو في كتابه السياسة.

وهي البلد الذي تأسس فيه أقدم الأحزاب العربية التي لازالت قائمة إلى الْيَوْم وهو الحزب الدستوري التونسي المؤسس في ثلاثينيات القرن الماضي. وتونس بلد الشيخ الطاهر الحداد الذي استهل مقدمة كتابه الشهير امرأتنا في الشريعة بمقولته "المرأة أم الإنسان" والذي تم طبعه عام 1930م.

وبذا حق للمرأة التونسية أن تعلن الْيَوْم من خلال الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات عن دعمها لاستصدار القانون

 

وبذا حق للمرأة التونسية أن تعلن الْيَوْم من خلال الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات عن دعمها لاستصدار قانون يكفل المساواة في الميراث فصدحت المرأة التونسية وبلا خوف من التكفير قائلة "حان الوقت لإقرار المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الميراث".

ولن يكون مستغربًا أن نسمع قريبًا قرار تونس بالأخذ بفتوى الشيخ المالكي قاضي مدينة شفشاون المغربية في أواخر القرن السادس عشر ميلادي ابن عرضون الشهيرة "بحق الكد والسعاية" أو "حق الشقا" المؤسسة على رواية للخليفة عمر بن الخطاب الذي قضى لحبيبة بنت زرق التي كانت تنسج وزوجها يبيع حتى كونَّا ثروة، قضى لها بنصف مال الزوج المتوفى بالإضافة لحقها في الميراث فجاءت فتوى ابن عرضون كما وردت في مجلة محاكمة عام 2006م "ولها النصف من تركته عند الوفاة غير نصيبها من الإرث جزاء لها عما بذلته من جهد أثناء الحياة الزوجية".

فطوبى لتونس بنسائها ورجالها ساسة وفقهاء ونخبة، والكلام لك يا جارة فلتقذفي بالحجر ولا تلتقميه، أم تراه لا حجر لديك لتلقيه ياجارة!.