Atwasat

داعش! شرعية من لا شرعية له

سالم العوكلي الأحد 27 أغسطس 2017, 11:14 صباحا
سالم العوكلي

في الدول التي راوغت الديمقراطية والانتخابات النزيهة كمصدر لشرعية السلطات المختلفة، برزت عدة طرق لنيل الشرعية دون الحاجة لهذا الصداع الديمقراطي، أو بسبب يقينها أن الشعوب تزدريها ولا يمكن أن تصل إلى السلطة عبر الصناديق، فكان ابتكارها لهذه الشرعيات وسيلتها للاستمرار في السلطة ولإقناع العالم الحر بأن "لكم شرعيتكم ولنا شرعيتنا".

وكأي سلطة فاقدة الشرعية عبر الصندوق، يتم البحث عنها في صناديق أخرى، تختلف ألوانها لكن قفلها واحد:
ــ شرعية الأمر الواقع.
ــ الشرعية الثورية.
ــ الشرعية المستمدة من السماء.
ــ شرعية الاستيلاء على الأرض.
ـــ الشرعية المستمدة غيباً من الشعب الذي لا علم له بها.
ــ شرعية يمنحها ممثلو القبائل عبر المبايعة.
ــ شرعية ناتجة عن مقايضات قوى الضغط الدولية بتحقيق مصالحها.

غير أنه في العقود الأخيرة بدأت تبرز شرعية جديدة، تستخدمها الحملات الانتخابية في الدول الديمقراطية، ويستخدمها الحكام المطلقون في الدول غير الديمقراطية. إنها شرعية "الحرب على الإرهاب".

وكانت الشرعية الثورية، أو مبايعة وجهاء القبائل له، أو محاولة انتسابه إلى أهل البيت، أدواته لنيله الشرعية المحلية، واستمراره في الحكم بعيدا عن مغامرة الانتخابات التي يدرك أنها ليست في صالحه، ولأن هذه الوسائل لا تنطلي على المجتمع الدولي، وأمريكا خصوصا التي تجوب أساطيلها البحار مبشرة بالحرية والديمقراطية، وجد أفضل وسيلة لنيل الشرعية من القوى الكبرى عبر تجسيد "نموذج التائب" بتسليم مخزونه النووي لأمريكا دون مقابل، وعبر انضوائه تحت حلف مكافحة الإرهاب الذي ترأسه أمريكا التي كان يسميها الشيطان الأكبر.

الحرب على الإرهاب هي التي منحت بشار الأسد ورقة أن يكون جزءا من الحل بعد أن تراجعت الدول المصرة على خروجه من المشهد عن مواقفها.

وهي الورقة التي يلعبها أطراف الصراع في اليمن حيث كل منهم يدعي أنه يحارب الإرهاب ويتهم الطرف الآخر بدعمه للإرهاب.

وهي الورقة التي لعبها رئيس الوزراء العراقي السابق، المالكي، ذو العينين الشبيهتين بعيني صدام، حين أحس أن شرعيته بدأت على المحك، فهرّب مئات من قادات القاعدة من السجون ليؤسسوا تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ويحتل في شهرين ثلث مساحة العراق.

وهي الورقة التي تحرك الآن أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، لأن أمريكا الهائجة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر يعود الآن هياجها مع ترامب الهائج المتوعد لكل داعم للإرهاب بالويل والثبور.

ففي دول لا ديمقراطية ممكنة فيها، ولا صناديق اقتراع نزيهة، ولا حياة سياسية، ظل الرضا الأمريكي هو مصدر الشرعية الوحيدة الذي تسعى له كل فاشيات المنطقة من ممالك وإمارات وجمهوريات وراثية ونظم ما قبل وبعد الربيع العربي، وحتى الميليشيات والعصابات المسماة بأشخاص وتسعى إلى السلطة على غرار عصابة بوب دينار تسعى لنيل هذا الرضا بإعلان حربها على داعش، فبقدر ما تدعم أمريكا قوات "سوريا الديمقراطية" التي ليس لها أية شرعية، تدعم قوات البنيان المرصوص التابعة لمدينة في دولة ما عادت فيها دولة، وكلاهما وجدت في لافتة الحرب على داعش شرعية نيل الرضا والاعتراف الأمريكي.

بعد تنظيم القاعدة الذي طالما قاد هذه اللعبة والذي تحول الآن بقدرة قادر إلى تنظيم إرهابي وسطي، تحولت داعش ــ آخر صيحة في عالم الإرهاب ــ إلى ورقة، إلى صندوق اقتراع، إلى استفتاء، إلى مصدر للشرعية، تسعى كل سلطة فاقدة الشرعية لزيادة عدد أسهمها عبر إعلان الحرب عليها.

ولهذا السبب سيكون وجود داعش، أو ما شابهها، أو أي تنظيم يُخترع بعدها، ضروريا لهذه السلطات القزمية كي تنال الاعتراف بها، وضروريا للدول الكبرى كي تصبح هذه السلطات طوع أمرها وخدام مشاريعها عبر حكامها الذين تسميهم تهذيبا "حلفاؤها".

ليبيا الآن بلد كثير السلطات، وكل السلطات فاقدة الشرعية تقريبا ومنتهية ولايتها وفق أحكام الإعلان الدستوري الذي ما عاد أحد يتحدث عنه ولا مؤسسة قضائية تحميه لأن الجميع انهمك في الرجوع إلى صناديق الذخيرة بدل صناديق الانتخابات، لذلك أصبحت ورقة الحرب على الإرهاب هي الرابحة وهي مركز الصراع.

وحتى الحكومات التي كانت إلى وقت قريب تدعم الإرهاب وترسل الجرافات تحولت فجأة إلى محاربة له، وبدأت التحقيقات الاستعراضية مع أشخاص يقال أنهم من تنظيم داعش تروج في طرابلس ومصراتة وغيرها، وهم الأشخاص أنفسهم الذين كان يأتيهم الدعم من قبل من يحقق معهم الآن، ومثلما صنع القذافي الإرهاب وحاربه كي ينال الرضا الأمريكي تتكرر الآلية نفسها، والعناء كله من أجل نيل الشرعية عبر أحدث موضاتها داعش، حين تعطل العمل بالإعلان الدستوري وانتُهِك على مرأى العالم كله، وتمخضت هيأة صياغة الدستور الليبي أضعاف المدة المقررة لها لتلد لنا دستوراً مادته الحاكمة (تطبيق الشريعة) هي الشعار نفسه الذي حاربت تحته القاعدة وتحارب الآن تحته داعش.

داعش فرصة، والحرب على داعش شرعية من لا شرعية له، وتضخيم هذا التنظيم الذي اتضح أنه نمر من فخار، كان من أجل إعطاء الشرعية لشرطي العالم كي يتواجد في المنطقة دون إدانة ودون اعتباره انتهاكا للسيادة الوطنية لأن داعش رخصة مفتوحة، وفي الوقت نفسه من أجل إضفاء الشرعية على حكام وحكومات تدرك أن لا أمل في الوصول إلى/ أو الاستمرار في السلطة إذا ما استشارت شعوبها عبر وسائل ديمقراطية شفافة.