Atwasat

بين الرأي وفتوى التكفير

عمر أبو القاسم الككلي الأربعاء 23 أبريل 2014, 04:51 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

يحتج المنتمون إلى تيارات الإسلام السياسي المختلفة على وصفهم بالظلاميين من قبل خصومهم الديمقراطيين والليبراليين ويستغربون، بالمقابل، استياء هؤلاء الخصوم من وصم جماعات الإسلام السياسي لهم بالكفر ووصفهم بالكفار. المحاججة تبدو وجيهة، ولكنها، وكما هي العادة في محاججات هذه التيارات، تنطوي على مغالطة عميقة.

ذلك أن وصف الديمقراطيين والليبراليين لخصومهم من تيارات الإسلام السياسي يظل، في نهاية الأمر، مجرد رأي، أو رأيًّا مجردًا. أما وصف تيارات الإسلام السياسي للديمقراطيين والليبراليين فيأتي في إطار الفتاوى الدينية. أي يتخذ بُعدًا مجسدًا تنتفي عنه صفة التجريد.

الرأي يتوجه إلى العقل ويكون قابلاً للنقض أما الفتوى فهي موجهة إلى استثارة المشاعر والعواطف الدينية

الرأي يتوجه إلى العقل ويكون قابلاً للنقض، أما الفتوى فأمرها مختلف. إنها موجهة إلى استثارة المشاعر والعواطف الدينية وتمثل حكمًا جازمًا ينغلق أمام أية محاولة للنقض. إنها "فعل" تحريض ضد الآخر. فتاوى التكفير هي، عمليًّا، تحريض على إزهاق الأرواح. والتحريض على إزهاق الأرواح فعل تجرِّمه القوانين. لذا ينبغي اعتبار فتاوى التكفير فعلاً مجرما قانونًا.

حين جسد الروائي الإنجليزي الهندي الأصل سلمان رشدي في روايته "آيات شيطانية" شخصية يبدو أنها مستلهمة من شخصية الخميني (ودون أن يسميه أو يذكر علامات ينفرد بها الخميني) كان يبني شخصية متخيلة في عمل تخييلي، ولم يمس ذلك حياة الخميني الواقعي في شيء. ولكن حين أصدر الخميني (لأسباب شخصية تحت تعلات دينية) فتواه الشهيرة بتكفير سلمان رشدي كان يحرض على إزهاق روح شخص واقعي، وقد ارتبكت حياة سلمان رشدي اليومية فظل يعيش متخفيًّا وتحت الحماية.

أولاد حارتنا
وحين كتب نجيب محفوظ روايته "أولاد حارتنا" كان يعبر عن رؤية فلسفية في عمل تخييلي أيضًا، دون المساس بالحياة الشخصية اليومية لأي أحد. لكن حين صدرت فتوى بتكفيره ارتأى أحد الشباب المتحمسين أنه ملزم بالاستجابة لمقتضى هذه الفتوى وحاول قتل نجيب محفوظ في الشارع اعتقادًا منه أنه بإزهاق روح نجيب محفوظ إنما يتقرب إلى الله.

وكذلك حين عالج الدكتور نصر حامد أبوزيد بعض قضايا الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية كان يتعاطى الفكر ويسهم في نقاشات فكرية ممتدة عبر تاريخ الحضارة الإسلامية محاولاً إدراج قضايا الفكر الإسلامي في إطار النقاش الفكري العالمي الراهن، وأيضًا دون المساس بالوضع الحياتي لأي شخص. لكن فتوى التكفير التي طالته جعلته مهددًا في حياته واضطرته إلى هجر وطنه.
والأمثلة كثيرة لا يسعنا حصرها.

الفرق بين الرأي والفتوى، إذن، ساطع. الأول يظل مجرد وجهة نظر قابلة للتعاطي معها "نظريًّا". أما الثانية فهي (والمقصود هنا فتوى التكفير تحديدًا) تعاطٍ "عملي" يستهدف إزهاق روح شخص عبَّر عن رأيه.

الظلامية
النقطة الأخرى الجديرة بالنقاش، هي أن وصف تيارات الإسلام السياسي بالظلامية من قبل خصومهم الديمقراطيين والليبراليين لا يتجه إلى الإسلام، كما يحاولون هم أن يوهموا عموم المسلمين، وإنما إلى منهجهم وممارساتهم.

فالظلامية هنا وصفٌ لكل مَن يحاول أن يفرض رأيه على الآخرين من خلال سبل التخويف والترويع والإرهاب، وليست وصفًا لمجرد التعبير عن الرأي. فالذي يعلن أنه يعترض على وجود محلات لتزيين النساء، مثلاً، دون فتاوى تكفير ليس ظلاميًّا، لأنه يعبر عن رأي يمكن أن يناقش. لكن حين يقوم بتفجير محل تزيين نساء يكون ظلاميًّا لأنه يسعى إلى إرباك الحياة العامة وخلق حالة من الخوف، وحتى الذعر، تُدخِـل المجتمع في ظلام حقيقي. ومن هذا المنطلق فالفاشيون والنازيون والصهاينة واللجان الثورية والتكفيريون الإسلاميون، ظلاميون.